عبد القادر الفطواكي
"الإخوة الأعداء" مصطلح يليق بالجارين المغرب والجزائر، صاحبا الثقافة والتاريخ والدين المشترك، والذي أفسدته السياسة. في بحثنا عن أسرار اضطراب العلاقة بين البلدين، لابد أن ننطلق من سنوات 1963، 75، 76، 94، ويمكن إضافة 1999، وهي تواريخ تحيلنا على حالة توثر واحتقان كبيرين شهدهما ميزان علاقات المغرب والجزائر، وصل حد التشابك المسلح في محطات متعددة.
اليوم وبعد تغيرات عدة شهدتها موازين القوى الإقليمية والعالمية، وعلى ضوء معطيات إيجابية تضمن تطور وتحسن علاقة الرباط بجارتها الجزائر العاصمة، في خضم هذا التطور والتقدم التكنولوجي في الميادين الاقتصادية والتنموية والبيئة التي تخدم البلدين، على الرغم من أن كل طرف يتحمل مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع بين الجارتين، ولو بنسب متفاوتة إلا أن حكام وجنرالات قصر المرادية ألفوا نهج سياسة "النعامة" رافعين شعار "لا نريد معرفة أي شيء..".
الجانب المغربي، والذي ظل يمد يد السلام والصلح للجزائر، على الرغم من كل الضربات التي وجهها له ساساتها وحلفاؤهم من تحت الحزام على مدى 43 عاما من الصراع المغربي الجزائري بمرحلتيه الساخنة والباردة. كان يؤمن على الدوام أن وقت المواقف سيحين من أجل رأب الصدع بين جارين تجمع بينهما نقاط تشابه، أكثر مما تفرق بينهما تفاصيل غذتها أطماع جنرالات سعت إلى حماية مصالحها بافتعال الصراعات والخلافات الوهمية.
الخطاب الملكي المخلد للذكرى 43 من حدث المسيرة الخضراء، شكل منعرجا جديد للعلاقات الجامدة بين الرباط والجزائر العاصمة، من خلال رسالة مختلفة من الملك محمد السادس للقادة الجزائريين، دعاهم من خلالها إلى تجاوز الخلافات التي تنخر العلاقات بين البلدين منذ أكثر من عقدين من الزمن، مقترحا إنشاء آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور الصريح والموضوعي، بحسن نية، بلا شروط مع الجارة دون وسيط بحكم التاريخ المشترك بين البلدين.
فإذا كان الملك محمد السادس، قد وجه قبل سنوات انتقادات لاذعة وقوية للسلوك السياسي الجزائري، فإن رئيس الدولة المغربية اليوم، نجح في قراءة التطورات العالمية الذي شهدها المشهد السياسي بشكل دقيق، مستنتجا أن المجتمع الدولي لم يعد صبره كافيا لاحتواء المزيد من حلقات هذا الصراع السياسي الطويل الأمد والذي عطل عجلة التقدم بهذا القطر من العالم، ومن هنا اختصر ملك البلاد المسافات الزمنية، وأطلق مبادرة صلح بتاريخ 6 نونبر الجاري، لم تلق لسوء الحظ استجابة رسمية من الجارة الشرقية، اللهم ردا يتيما وغير مباشر من لدن خارجيتها، التي وجهت دعوة إلى اتحاد المغرب العربي، بغرض تنظيم قمة مغاربية في أقرب الآجال، على مستوى وزراء خارجيته.
تجاهل الجزائر لدعوة حوار صريحة وجادة من طرف المغرب، ولعبها ورقة اتحاد المغرب العربي لتفادي سياسة "الأذرع المفتوحة" الذي تبناها ملك المغرب وأشاد بها المنتظم الدولي لفض هذا النزاع. أضحى يحتم بشكل قوي على رئيس الدبلوماسية الجزائرية عبد القادر مساهل أن يشرح مغزاه، ويبرر أبعاده، خلال لقاء جنيف يومي 5 و 6 دجنبر المقبل.
"تهرب" الجزائر من مسؤولياتها في الصراع المفتعل بالصحراء المغربية، وتنصلها من تدخلها في صناعة أحداث تاريخية مؤلمة من خلال احتجاز مواطنين صحراويين مغاربة بتندوف، عبر دميتها "البوليساريو". أصبح يطرح أكثر من علامة استفهام حول أهداف ومرامي الجزائر في تقويض مسلسل السلام بهذه المنطقة، كانت آخر حلقاته انفجار صاروخ تابع للمنطقة العسكرية الجزائرية الثالثة "بشار" فوق مخيم "الرابوني" بتندوف تجهل لحدود الساعة أهدافه.
الجزائر اليوم أمام اختبار سياسي تاريخي، أملته تغيرات النماذج والأنظمة الدولية، وهو ما جعل كل التحديات تختلف، لتتضاعف معها توقعات ومتطلبات الشعوب المتطلعة للسلام والتنمية المشتركة، الأمر الذي يطرح معه السؤال العريض.. بماذا تلعب الجزائر؟!
05 janvier 2024 - 12:00
19 décembre 2023 - 12:00
18 novembre 2023 - 20:00
18 septembre 2023 - 20:00
19 juillet 2023 - 10:00
07 novembre 2024 - 12:00