بلخير سلام
مع اقتراب موعد انطلاق البطولة الوطنية لكرة القدم، المسماة بـ"الاحترافية"، عاد الجدل، مرة أخرى، إلى واجهة الأحداث الرياضية، حول مدى استعدادات ومعسكرات الفرق، وهوية منتدبيها من لاعبين ومدربين، ومدى أهداف وطموحات كل منها، في إطار التنافس عن اللقب.
وعلى بعد حوالي 5 أسابيع من تاريخ انطلاقها، المحدد في 25 غشت المقبل، يبدو أن "اللغط" مرشح كي يزداد يوما بعد يوم، بشأن مدى "صعوبة هذه المباريات" و" قوة تلك الديربيات"، وهلم جرا من تخمينات وتوقعات، وتعاويذ وتخاريف، حول هويات "المتوج المرتقب" و"النازلين المفترضين" و"المنتزعين المرتقبين لبطاقات مشاركة قارية معينة"، لاسيما بعد بزوغ برنامج الجولات الثلاثين من الدوري الوطني.
أجل، ستنطلق البطولة الوطنية لكرة القدم، في موسمها الجديد (2019/2018)، بإجراء جولتها الافتتاحية، في نهاية الأسبوع الأخير من الشهر المقبل، لكن ألا يحق لنا طرح سؤال جوهري، من قبيل: لأي شيء تصلح بطولتنا المسماة بـ"الاحترافية"؟!.. أم هل يكفي أن نقول اليوم أو غدا: "ها قد انطلقت بطولتنا"، لننتظر نهاية شهر ماي أو يونيو المقبلين، ونعاود القول: ها قد اختتمت بطولتنا بتتويج "الفريق الفلاني"، ونزل "الفريق العلاني"؟؟!.. وكفى القيمين على الشأن الكروي شر صداع الرأس.
لا، لا.. يا ناس، الأمر أكبر من مثل هذه الأسئلة الحارقة، وأعمق من تلك الأجوبة غير المقنعة ولا الشافية، في حال إطلالتها أصلا من النوافذ الموصدة، كما الأبواب، لدى المسؤولين الكرويين ببلادنا، وعلى رأسهم فوزي لقجع، رئيس الجامعة الملكية المغربية، وإلا كيف نفسر أن هذه البطولة التي صارت تسمى بـ"الاحترافية"، منذ سبع سنوات خلت، وتحديدا في موسم 2012/2011، لا تفي بالأهداف المنشودة منها، ولا تقتصر سوى على الاستهلاكية، بدلا من الإنتاجية؟؟..
لا جدال مع الواقع، ولا جدوى من كتم قول الحقيقة بأن البطولة الوطنية بحاجة إلى إصلاح، حتى تكون صالحة، وتصبح منتجة لا مستهلكة، بدليل عجزها عن إمداد المنتخبات الوطنية، بمختلف فئاتها العمرية، بلاعبين مميزين، وحتى "أشباه لاعبين جاهزين"، لاسيما أن المنتخب الوطني وجه من أوجه البلد، يفترض الإسهام في إشعاعه وتلميع صورته جهويا وقاريا وعالميا.
وحتى لا نرجع بعيدا إلى الوراء، ونعفي أنفسنا وإياكم من النبش في ذاكرة السنوات الماضية الأخيرة، المتزامنة مع الألفية الثالثة على الأقل، يكفينا اقتصارا إجراء إطلالة خاطفة على مشاركة كرة القدم المغربية للمنتخب الوطني في مونديال روسيا 2018، المنتهي أمس (الأحد)، وإن كان قد انتهى بالنسبة إلينا، منذ أزيد من 25 يوما خلت، غداة تلقينا ثاني هزيمة، وقبل إجراء ثالث مباراة، ولنحاول تقديم مجرد إحصاء لـ"عدد اللاعبين المحليين المشاركين في المباريات الثلاث"، إن كان هناك، حقا، ما يستحق الإحصاء، لنجد حتما أن النتيجة تكاد تعادل الرقم السلبي "0"، إلا من دقائق من المباراة الأولى لأيوب الكعبي، الذي صار اليوم في خانة اللاعبين المحترفين، مع أن الاستثناء كالناذر، لا حكم له ولا عليه.
بالله عليكم، أليس هذا دليلا قاطعا على أن بطولتنا ليست منتجة، وبالتالي فهي تعيش وضعا شاذا وغير سليم، بالمرة؟؟.. ثم ألا يدعو هذا الواقع المعاش، بكل استنتاجاته السلبية ومعاناته وحرقته، إلى أحقية طرح تساؤل آخر حول ماهية الدواعي لتمادي الجامعات الكروية المتعاقبة في إغفال تطوير البطولة الوطنية، مقابل تبني منهج الاستنجاد المتوالي بما يطلق عليهم "لاعبون محترفون"، كلما حان وقت يدعو إلى "تجميع المنتخب الوطني"، مع أن المسؤولين، بمعية من يدور في فلكهم، يسمون البطولة بـ"الاحترافية"، وما هي بذلك، إطلاقا، وأظن أننا لسنا بحاجة إلى تقديم نصف تعليل لتوضيح ذلك، طالما أن الأمر واضح للعيان.
لا أريد هنا أن أتحدث عن عشرات الملايير التي تصرف سنويا على لعبة كرة القدم، لوحدها، دون نتائج تذكر، ولا جديد في سماء الحلم، سواء في غياب أي تطوير للبطولة المحلية، مع أن "التطور العام للكرة" يبدأ من هنا، أو سواء بخصوص فشل المسؤولين في تسويقها تلفزيونيا، علاوة على غياب تمثيلية حقيقية، إن على مستوى المنتخب الوطني، أو الفرق الوطنية، من خلال مشاركاتها الخارجية، مقارنة مع نظيراتها بالدول الإفريقية، وحتى العربية والمغاربية المجاورة لنا.
ولا داعي، أيضا، للحديث عن ما يتخلل مباريات البطولة من أزمة الملاعب الرياضية، على غرار ما شهده الموسم الماضي، عندما أضحى أزيد من نصف عدد الفرق الوطنية، (9 من أصل 16 فريق يمارس في البطولة "برو"، يا حسرة) تجد نفسها تعيش "رحلات العذاب" أسبوعيا، في البحث عن ملاعب رياضية لاستضافة مبارياتها، وما ظل يفرضه ذلك من إرجاء مواعيدها إلى "وقت لاحق" كـ"لازمة غريبة" صارت محفوظة لدى الخاص والعام، وتثير نوعا من الشفقة على الأندية الوطنية، كما على أنصارها ومشجعيها، التي تجد ذاتها أشبه بـ"رحل"، هنا وهناك، على نحو يولد التقزز والاستفزاز، في زمن يسمى تجاوزا بـ"الاحتراف"، لغاية الأسف.
قد نقف عند هذا الحد، وقد نضيف أشياء أخرى، من أجل "تطوير بطولتنا وكرامة كرتنا وصورة وطننا"، أما إن استمر الحال على ما هو عليه، وفق مسلسل ممل بعناوين "انطلقت البطولة"، "انتهت البطولة"، "كفانا رؤى واستراتيجيات وتمثيليات"، فما علينا إلا نحيل الجمهور الرياضي على "بطولات الأحياء" لكي يستمتع، على الأقل، بـ"فرجة مجانية"، ونعفي جيبه من أي أداء مالي، كما نعفي خزينة الدولة من إهدار للمال العام، طالما أنه لا فرق بين "البطولة الوطنية" و"دوريات الأحياء".
هذا عن بطولتنا المسماة بـ"الاحترافية".. فماذا عن حال منافسات كأس العرش، أعرق وأمجد وأغلى الكؤوس، والتي أجريت القرعة بشأن مواعيدها، على غرار البطولة الوطنية، مع فارق بخصوص طبيعة موسم كل منهما؟..
أكيد، تلك قصة أخرى بحاجة إلى فتح نقاش معمق ومستفيض حول دواعي تأخيرها عن موعدها الحقيقي، مقابل الإسراع بأدوارها ولقاءاتها، واحدا تلو الآخر، كما لو أن المسؤولين عن الشأن الكروي ببلادنا يحملون جمرة حارقة بين أيديهم، ويودون التخلص منها بأقصى سرعة ممكنة.
والحال، أن كأس العرش جزء هام من ذاكرة نضال ملك وشعب، وتظاهرة جديرة بمنح التباري بشأن لقبها الغالي متسعا من الوقت الكافي والملائم، بدلا من الإجهاز على مبارياتها الإقصائية، كما مباراتها النهائية، بإجرائها في ظرف بضعة أسابيع، ليس إلا.
كأس العرش، يا ناس.. هي مسابقة ملكية وشعبية، وذات رمزية خاصة جدا، تأسست من منظور وطني بامتياز، ولا تقبل اختزالها في أيام معدودات؛ بل إنها تستحق حيازة موقع مميز في متحف الخالدات الرياضية النضالية.
على أي حال، قريبا ستنطلق البطولة "الاحترافية" للموسم الجديد (2019/2018)، مثلما ستستأنف الأدوار الإقصائية لكأس العرش للموسم الماضي (2018/2017).
ويكفينا تأملا في هذا التضارب الرقمي الموسمي، لعلنا نفهم شيئا ما.
05 janvier 2024 - 12:00
19 décembre 2023 - 12:00
18 novembre 2023 - 20:00
18 septembre 2023 - 20:00
19 juillet 2023 - 10:00
07 novembre 2024 - 12:00