عزيز بوستة
هناك فترات في تاريخ المجتمعات، تتضافر فيها أحداث، تبت الشك، وحتى الفوضي. هذا هو حال المغرب اليوم. جو ضار، راكد، ووضع عام متأرجح. الناس يتساءلون، لأنهم يحسون بأنهم غير قادرين على الحركة.. ربما لأنهم يشعرون بأن بإمكانهم القيام بالأفضل.. لكنهم لا يستطعون.
هذا الصيف، هو ثاني صيف على التوالي، الذي يدخل فيه المغرب في أزمة كبيرة. في العام الماضي، كانت الحسيمة، مع كل التداعيات التي عولجت، واليوم، نحن أمام مقاطعة يبدو أنها لم تنته. ورغم فقدانها لزخم البداية، غير أنها ستترك ندوبا في القلوب. ويمكن أن تعود من جديد، ضد الكل وكل شي.
وكما لو كانت شكوكنا غير كافية. فهاهم قضاتنا يعيدون الحسيمة إلى الواجهة، عبر الأحكام الثقيلة التي طاولت معتقلي المدينة. فمؤكد أن القضاة، حكموا، حسب القانون وصكوك الاتهام، غير أنه يجب أن نقول أن هناك قليلا من الناس، يعتقدون في عدالة منصفة، ومستقلة.
ويبدو أن الاستياء العارم، الذي قوبلت به تلك الأحكام، يعزى، في جزء، منه لحالة الاحتقان الشعبي، أكثر منها تعبيرا عن تعاطف مع الزفزافي، الذي اختلف الناس في مدى تجاوزه للخط الفاصل بين حرية التعبير والعنف في التعبير عن المطالب.
كل شيء معلق. الناس، الطبقات المتوسطة، ينتظرون شيئا ما، والحكومة والوزراء لا يقولون أي شيء أو ينطقون بكلام غير ذي معنى. كل شيء معلق، الجميع يترقب تدخلا ملكيا، مادمنا ندخل مرحلة ستشهد ثلاث خطب ملكية.
هناك من يتوقع حركة سياسية، حكومية أو أكبر، بحيث تكون ذات طبيعة مؤسساتية أو حتى دستورية، وآخرون يتطلعون إلى عفو يشمل المعتقلين.
وفي جميع الحالات، فإن الحل و الانطلاقة الجديدة، لما يمكن أن ينطلق، سيأتي عبر رئيس الدولة، الملاذ الوحيد عندما لا تكون الأمور على ما يرام، وهي ليست على ما يرام.
يبدو كل هذا مفارقا، فقد خرج المغرب من مرحلة، تبعث على الفخر، بما هو عليه وبما يمكن أن يكون عليه. فقد دافع المغرب بشرف عن حظوظه في تنظيم كأس العالم 2026، وأجبر رئيس الولايات المتحدة على تهديد العالم، إذا لم تصوت للملف الثلاثي، متحديا قواعد اللياقة، في ظل صمت مطبق للفيفا. وهذا المنتخب الوطني، خرج مرفوع الرأس من منافسات كأس العالم بروسيا، فقد قاتل الأسود، قبل أن يقصوا، بطرق لم تكن دائما شريفة. ورأينا هذا الجمهور المغربي، المتحمس، الحامل للأعلام الوطنية، حيث فرض على جماهير المنتخبات الأخرى احترامه، فقد اكتشفت تلك الجماهير شعبا مقبلا على الحياة.. تلك الجماهير ستفاجأ عندما تطلع على ما نحن عليه داخل البلاد.
وقبل ذلك، بدا مجلس الأمن، في أبريل الماضي، في قراره رقم 2414، أكثر تفهما لأطروحات وموقف المغرب، مقارنة بأطروحات ومواقف الجزائر والبوليساريو. وهذا ينطوي على دلالات مهمة، لمن يريد قراءة الأمور جيدا.
المغرب يعرف إنجاز الأشياء، وله خبرة في الإضطلاع بذلك جيدا. هناك العديد من الأشياء يجب القيام بها أو إعادة النطر فيها، غير أن الهدم، الذي يتربص في البداية، بمعنويات وذهن الناس، ما يلبث أن يأخذ أشكالا أخرى، تكون كارثية وغير محمودة العواقب.
هذا الاحتجاج، الذي اتخذ شكل المقاطعة، معبئا أكبر عدد من الناس، مقارنة باحتجاجات 2011، أتاح التعبير، عن الغضب دون التنقل إلى الساحات، يكفى التوفر على هاتف محمول أو حاسوب، من أجل التنديد والإدانة. هذا تحول يدعو للتأمل.
نتوفر نحن المغاربة على طاقة جماعية إيجابية خارقة، غير أننا نوجهها في الاتجاه السلبي، والاحتجاج، الذي ينطوي على خطر التدمير وجلد الذات الدائم.صحيح أن القادة السياسيين، الحزبيين، لا يساعدوننا على تبين، ولو بصيص من الذكاء في وسطهم.
لماذا ننتظر منهم أكثر مما سيعطون؟ ففاقد الشيء لا يعطيه. نفس الملاحظة، يمكن الإدلاء بها عندما نتحدث عن المقاولين، الذين يفتقدون إلى ذلك الإحساس المواطن، الذي يحرضن على المبادرة والإبداع.
هناك لحظات في تاريخ الأمم، حيث يجب أن يأتي التغيير من فوق، عندما تترنح الهياكل ولا تعمل المؤسسات بالطريقة المأمولة، وعندما تضعف الثقة، وتتراكم الانتظارات. لقد بلغ دستورنا حدوده القصوى، بسبب غياب الإرادة، وبسبب ضعف الفاعلين السياسيين، واقتصادنا أضحى في وضع يبعث على القلق.
حان الوقت للتفكير في تطوير هذا الدستور. المغرب ليس في حاجة، دائما، لديمقراطية على الطريقة الغربية كي يتقدم. إنه في حاجة إلى الفعالية، والجرأة في تجسيد الإنجازات، تحت إشراف مؤسسات الرقابة، ولو مؤقتا. يقال إن الشعوب العربية، في حاجة منذ 2011 إلي سياسة وسياسيين، لأن العدم خطير. نحن اليوم في اللاشيء، بسبب السياسيين. هذا يجعل التغيير واجبا.
05 janvier 2024 - 12:00
19 décembre 2023 - 12:00
18 novembre 2023 - 20:00
18 septembre 2023 - 20:00
19 juillet 2023 - 10:00
07 novembre 2024 - 12:00