بلخير سلام
تجد 207 بلدان من مختلف قارات العالم نفسها، غدا (الأربعاء)، أمام اختبار حقيقي، عندما تفتح صناديق الاقتراع الإلكتروني لانتخاب أحد الطرفين المرشحين لتنظيم كأس العالم 2026، في سياق التنافس القوي بين الملف المغربي من جهة، والملف الأمريكي الثلاثي المشترك من جهة ثانية.
وبقدر ما ستكون تهديدات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أكثر استحضارا لدى عدد من الدول، عبر اتحاداتها الكروية، تبعا للمصالح والأطماع والخوف أيضا، فإن مجمل البلدان قد تصير، كما لو أنها أمام شبه حرب عالمية من نوع مختلف، قد تجعل العالم بشأنها، كما لو أنه سينقسم إلى تيارين حول الدولة أو "الدول" التي ستظفر باحتضان مونديال 2026،
وعلى بعد أقل من 24 ساعة عن موعد الإعلان الرسمي للبلد الفائز بتنظيم مونديال 2026، عبر مرحلة التصويت ليوم غد (الأربعاء)، يمكن استحضار مجموعة من الأسئلة المتفرعة عن السؤال الجوهري التالي: هل يرضى العالم بإهانات ترامب ويسمح بمنحه "جائزة تنظيم المونديال"؟؟!
في البداية، لا بد من تأكيد شيء أساسي بالنسبة إلى "شخصية ترامب" و"توجهاته السياسية"؛ ذلك أن الرجل قد انقلب على سياسات سلفه باراك أوباما في كل المناحي، وخاصة في الشرق الأوسط، إزاء إيران مثلا، من خلال تراجعه عن الاتفاق النووي، كما يظهر التراجع من خلال علاقاته المتشنجة مع باقي دول العالم، سواء الصين أو كوريا الشمالية، أو غيرهما.
كل توجهات ترامب، وحتى طبيعة التعيينات في البيت الأبيض، تفيد بأنه لا يجنح للسلم، ولا يتزحزح عن كل ما وعد، أو توعد به، ومثاله على ذلك هو نقله سفارة أمريكا من تل أبيب إلى القدس، رغم كل النداءات، حتى من داخل الولايات المتحدة، بل إن جملة من الساسة اليهود ناشدوه ألا يتسرع. وقد عاش الجميع كيف أن هذا القرار جعل ممثلي الدول يصوتون ضده في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وكان واضحا أن هناك تذمرا كبيرا من ترامب، غير أنه أصر، بل هدد الذين صوتوا ضد قراره، على غرار تهديداته هنا وهناك.
هو ببساطة رجل تاجر، في الأصل، أو رجل أعمال، لا يهم، الأمر سيان، ولكنه يريد أن يربح لوحده، يحب المتاجرة في البشر وأصواتهم، بل في الدول نفسها، عبر تصريحات تتسم كالعادة باستعلاء واضح وتهديد مبطن وخطاب لا يخلو من الكراهية و"المنً بالمعونات"، وإلا كيف نفسر استعماله لغة التهديد العلني، حين دخل على خط ملف المونديال، عبر تغريدة محملة بعنصرية بغيضة واستعلاء زائد، بقوله: "سيكون من العار أن تقوم الدول التي نساندها في جميع الظروف بمقاطعة الملف الأمريكي، لماذا يتعين علينا مساندة هذه الدول عندما لا تدعمنا؟".
ألم يكن بالأحرى على الولايات المتحدة تطبيق السياسة التي ما فتئت تتفوه بها وتتبناها بشأن الديمقراطية والحرية واحترام إرادة الدول والشعوب، لاسيما أن الشأن الرياضي يقتضي فصله عن الملفات السياسية، ومناقشته في إطاره، بعيدا عن وضعه في مسارات أخرى، وبالتالي ترك الأمر للصندوق وأصوات الدول بما يضمن التمثيل الديمقراطي.
وهنا يتأكد أن ترامب يتبع نهجا سلطويا بدلا منه توافقيا في تعامله مع ملفات العلاقات الدولية، على مستوى مختلف القضايا، بما فيها الرياضة، وما أثاره من تلميحات غير مقبولة في طبيعة العلاقات الدولية، التي يصر على بنائها بمنطق "معي أو ضدي"، وهذا فهم خاطئ لبناء العلاقات الدولية، بل هو منبوذ حتى في التعاملات الفردية.
بالتأكيد، إن توجه ترامب نحو استغلال ملف المساعدات والمعونات التي تقدمها أمريكا لبعض الدول، يعد تصرفا في غير موضعه ولا محله، وفيه مساس بصورة مباشرة للأطراف المعنية، ولا نعتقد أن هناك من يرضى بالخضوع لـ"موقف الدونية" الذي يستخدمه ترامب، والذي يتنافى مع المواثيق الدولية والتقاليد التي تحكم علاقات الدول في ما بينها.
وإذا كانت هذه "التهديدات الترامبية" تشكل خروجا عن كل الأعراف الأخلاقية المطلوبة في العلاقات الدولية، وتجسد أبشع أنواع الابتزاز والاستكبار والمن تجاه دول بعينها، بصرف النظر عن نسف كل أصول المنافسات الرياضية الشريفة، فإن خير رد على هذا الاستعلاء الأمريكي في شخص ترامب يفرض أن يأتي في صيغة رفض للابتزاز، عبر امتناع الدول عن التصويت لصالح أمريكا، دفاعا عن كبرياء هاته البلدان وشعوبها.
غير ذلك، فإن أي دولة صوتت لفائدة الملف الأمريكي، لا سيما تلك المعنية بالإعانات والمصالح، لن تكون ذات مصداقية، ما دام أنها ستكون، في هذه الحالة، قد رضخت للتهديدات الأمريكية، واختارت الانبطاح أمام غطرسة ترامب تماما، وبالتالي فقد سمحت في كبريائها المفترض.
على كل حال، المغرب قدم ترشيحه بكل شجاعة وإرادة حرة، والملف المغربي قادر وبنزاهة على الفوز، بفضل عدة امتيازات، من قبيل ما يتوفر عليه من بنيات تحتية، وما تم رصده من أموال تفوق المليار دولار لتعزيز منشآته الرياضية والسياحية وغيرهما، فضلا عن موقعه الجغرافي، وما يعنيه ذلك من عامل القرب للدول الأوروبية والإفريقية، كما الأسيوية، وما يتيحه، أيضا، من فارق توقيت مثالي، وجودة البث والمتابعة التلفزيونية على أحسن وجه.
من يدري، قد ينقلب السحر على الساحر، وقد تكون تصريحات ترامب ذات تأثير سلبي على الملف الأمريكي، وتبرز ردود أفعال لفائدة الملف المغربي.
بالتوفيق للملف المغربي.
05 janvier 2024 - 12:00
19 décembre 2023 - 12:00
18 novembre 2023 - 20:00
18 septembre 2023 - 20:00
19 juillet 2023 - 10:00
07 novembre 2024 - 12:00