موسى متروف
كانت روسيا، في الأيام الأخيرة، لا تذكرنا إلا بما هو جميل، بل اقترنت بأحلام وردية لدى عموم المغاربة، منذ تأهل "أسود الأطلس" إلى مونديال 2018، بعد عشرين سنة من الخيبات!
لقد انطلقت الأحلام المجنّحة، وشرعنا نمنّي النفس بالقضاء على المنتخب الإيراني، ثم "إعادة عقارب الساعة إلى الوراء" وإعادة سيناريو مكسيكو 1986 بالقضاء على المنتخب البرتغالي، فتعادلٌ "مريح" مع الإسبان، للتأهل إلى الدور الثاني، ومن ثمة "يحن الله" في كل مباراة موالية، لأن "بعدها كل شي رْباح"!
كانت هذه "كل" روسيا في المخيال الجماعي للأيام الأخيرة، حتى سمعنا أن دبها استيقظ من "سباته" الشتوي ووضع العصا في "الرويدة" فعرقل إصدار قرار مجلس الأمن حول الصحراء يوم الأربعاء 25 أبريل 2018، ليدخل المجلس في سباق مع الزمن قبل نهاية الشهر للتمديد لبعثة "المينورسو" بالصحراء.
الواقع أن روسيا لم تكن وحدها في العملية "الانقلابية" على مشروع القرار الذي صاغته الولايات المتحدة الأمريكية وضدّا فيها أساسا، فقد كانت إثيوبيا حاضرة في طلب إعادة "التوازن" بين طرفي النزاع في الصحراء، كأن القرار سلّم للمملكة بكل شيء ورُفعت الأقلام وجفّت الصحف!
إذا كانت لـ"الحبشة" علاقات قديمة مع الانفصاليين، فإن انفتاح المملكة عليها، في الفترة الأخيرة، كان يفرض على الدبلوماسية المغربية الطرق على بابها وبإلحاح (والله يحب العبد الملحاح) وإقناعها بما يعتمل شرق المنظومة الدفاعية المغربية في الصحراء، والشيء ذاته يقال، وبحدة أكبر، على الجانب الروسي.
لقد زار الملك محمد السادس موسكو وسمعنا من الروسيين كلاما ربما رفعنا إلى سابع السماوات، لكن كان على الدبلوماسية المغربية أن تستثمر ذلك، وهي تستحضر أيضا الزيارة الأخيرة لرئيس الحكومة الروسية ديميتري ميدفيديف إلى عاصمة المملكة، والذي "نوّمنا في العسل" بكلامه "المعسول"، لكن يبدو أن السياسة ليس فقط كلاما!
طبعا السياسة أفعال ترتكز على مصالح، ومن الأفعال التي ربما لم يستثمرها المغاربة البلاغ الأخير الذي أصدرته وزارة الشؤون الخارجية والتعاون، يوم السبت 14 أبريل 2018، بعد "الهجوم الثلاثي" على سوريا.
من قرأ البلاغ، بعد نزع كل ما يشير إلى المغرب، يعتقد أن الأمر يتعلق بدولة حليفة لروسيا أو لإيران أو لنظام بشار الأسد! وفي الواقع، جاء البلاغ متوازنا، خصوصا عندما أشار إلى "اللجوء في بعض الحالات إلى الخيارات العسكرية المتسرعة، وفي حالات أخرى إلى معالجة وإلى شرعية دولية مفروضة"، وهو ما "من شأنه أن يزيد من حدّة التوترات الدولية".
لقد بشّر هذا البلاغ بتموقع واضح للمملكة في خط "الاعتدال" في زمن اختلط فيه الحابل بالنابل، وصار صديق الصباح عدوّ المساء!
المملكة هي هبة الموقع الجغرافي البعيد، نسبيا، عن بؤر التوتر في الشرق الأوسط، ولذلك يمكنه أن يحافظ على خط الاعتدال هذا، والذي يمكنه من لعب دور "الوساطة" إن اقتضى الحال، أو على الأقل يجعله في منآى عن التعقيدات الجيوسياسية الإقليمية في تلك المنطقة والتي ليس للمغرب فيها ناقةٌ ولا جمل!
هذا "الاعتدال" كان يمكن أن يكون "قوة ضاربة" للمملكة أمام الدب الروسي، الذي لم يتبيّن بعد حليفه من عدوه، فضلا عن ما يتيحه المغرب الذي يسعى إلى تنويع شركائها الاقتصاديين، كبلد يتوفر على طاقات متنوعة، وأيضا كبوابة إفريقية، للاقتصاد الروسي الذي يحتاج أيضا إلى شركاء جدد في فضاء تحتد فيه المنافسة الصينية والتركية وغيرها، فضلا عن المنافسة الفرنسية، على القارة السمراء...
لقد مضى زمن الدبلوماسية التي "لا تفهم" إلا في السياسة، فقد صار البعد الاقتصادي هو الأبرز في هذا المجال، لأنه معين المال، عصب الحياة، حياة الشعوب والدول، وللمغرب في هذا الشأن ما يقوله للروس والإثيوبيين... وحتى للجزائريين... "يلا اهداهم الله"!
05 janvier 2024 - 12:00
19 décembre 2023 - 12:00
18 novembre 2023 - 20:00
18 septembre 2023 - 20:00
19 juillet 2023 - 10:00
07 novembre 2024 - 12:00