موسى متروف
حوّر سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، صدر البيت الشهير للشاعر أبي تمام "السيف أصدق إنباء من الكتب"، ليجعله في افتتاح قافلة حزبه "المصباح"، بميسور يوم الجمعة 23 مارس 2018، "الشعب أصدق أنباء من الصحف"!
لقد كان العثماني باسما، كعادته، عند بداية كلمته التي بدأها بالأمازيغية وبالفخر بأنه قد يكون أول رئيس حكومة أو وزير أول يزور المنطقة، قبل أن يحوّل ابتسامته لـ"الشعب" إلى ابتسامة سخرية من "الصُّحف"، ودعا أهل هذه الأخيرة إلى تصوير كرسي فارغ في صورة مكبّرة ونشرها، بكلام "في حدهِ الحدُّ بين الجدّ واللَّعبِ"، كما يقول عَجُز بيت أبي تمام!
لقد سلّط العثماني لسانه على الصحافة، كالسيف تماما، في "تقليد" بدأه سلفُه على رأس الحكومة و"البيجيدي" عبد الإله بنكيران الذي "جلدها" ولم يُفلت منها إلا من رحم الله، بل جلد حتى البعض من الذين كانوا محسوبين عليه!
وغريب استعمال كلمة "الشعب" في "إبداع" العثماني "الشعب أصدق أنباء من الصحف"، كأن "الشعب" هو من حضر في قاعة ميسور، حتى وإن كان بالآلاف، وأشدّ ما أخشاه هو النزوع إلى الشعبوية لدى الدكتور العثماني، وهو ما لا أتمناه له صادقا!
لقد كنت أتمنى أن يبقى العثماني "في صْباغتو"، كما يقول المغاربة، بلسانهم المُبين، لكن يبدو أنه آثر أن يعانق بعض الشعبوية في التجمعات، والتي ربما اعتقد متأخرا أنها من أسباب نجاح حزبه المهدد بالتراجع، في سُنة كونية، عنوانها "التآكل" الذي يسبّبه "الحُكم"! "وتلك الأيام نداولها بين الناس"، صدق الله العظيم.
قد يقول قائل، من "إسلاميي المؤسسات" تحديدا، إن الآية لا علاقة لها بـ"التداول" على الحكم أو السلطة، وهذا صحيحٌ إلى حدّ ما لأن المفسّرين، وعلى رأسهم عبد الله بن عباس، فهموا "نداولها" في سياق غزوتي بدر وأحد، حيث "قُتل المؤمنون يومَ أحد، اتخذ الله منهم شهداء، وغلب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر المشركين، فجعل له الدولة عليهم"، على حدّ قول الصحابي حَبر الأمة.
والوصول إلى السلطة يؤخذ "غلابا" ليتم "التداول"، ورأينا كيف يستعد "التجمع الوطني للأحرار" ورئيسه عزيز أخنوش، الذي أعدّ ما استطاع "من قوة ومن رباط الخيل" لانتزاع الصدارة في الانتخابات المقبلة من حزب "المصباح"، وربما يتم له ذلك، وعلم الغيب عند الله!
لقد هاجم العثماني الصحافة وبديهي أن نساء الصحافة ورجالها ليسوا ملائكة، لأن منهم المهنيين ومنهم "النجّارة" (كما نصفهم داخل المهنة)، ومنهم النزهاء ومنهم غير ذلك، تماما كما السياسيين والوزراء... لأن كل هؤلاء جزء من المغاربة، وهم ينقلون معهم إلى مواقعهم بعض "الأمراض الاجتماعية" المتفشية في الجسم المغربي، والذي أفخر بالانتماء إليه، كما هو، مع أملٍ في تعافيه بالطبع!
وبالنسبة إلى النزهاء في هذه المهنة، وأُصرّ على "النزاهة" بدل "الموضوعية" (التي لا محل لها من الإعراب في هذا المجال)، أقول جازما بأن هامش "مناورتهم" ضيّق جيدا في التعامل مع الأخبار التي تتعلق بالحكومة أو المؤسسات العمومية، فضلا عن المؤسسات الخاصة، لأن الولوج إلى المعلومة، هو شعارُ أكثر منه واقعا، رغم سَنّ القانون إياه الذي لم يفتح ولا ثقبا صغيرا في الجدار المضروب على المعلومات في هذا البلد الأمين!
لا يجب أن يضيق صدر العثماني وغيره من المسؤولين، خصوصا من حزبه "الحاكم"، من الصحافيين، لأنهم أصلا لا يتواصلون معهم إلا قليلا، وإذا تواصلوا معهم لا يتحدثون إلا بلغة الخشب التي "لا تسمن ولا تغني من جوع"!
تصوروا، على سبيل المثال لا الحصر، عمدة لمدينة من وزن الدار البيضاء، وهو تحديدا عبد العزيز العماري، القيادي في حزب رئيس الحكومة، لا يتحدث إلى الصحافة، وإذا فعل، فبالندرة التي يقتضيها "مقامه" ولموقع حزبه، أو لمجلة مؤسساتية تابعة لشركة تنمية محلية! فهل سيقول العماري هو أيضا "الشعب أصدق أنباء من الصحف"؟!
05 janvier 2024 - 12:00
19 décembre 2023 - 12:00
18 novembre 2023 - 20:00
18 septembre 2023 - 20:00
19 juillet 2023 - 10:00
07 novembre 2024 - 12:00