موسى متروف
لماذا كلّما ذُكر عبد الرحمان اليوسفي إلا وتذكّرنا عبد الإله بنكيران؟ ربما لأن الرجلين احتلا في ما مضى رتبة "ثاني رجل في الدولة"، بعد ملك البلاد، ولأن الأول كان وزير أول حكومة "خاصة جدا"، هي حكومة ما سمي بـ"التناوب الديمقراطي" (المفكر عبد الله العروي اعتبرها مجر "إشراك")، والثاني كان رئيس أول حكومة لما بعد ما سمي بـ"الربيع العربي"...
لذلك عندما تحدث اليوسفي في مذكراته عن "ما جرى"، فبنكيران ملزم، إلى حد ما، أمام التاريخ وأمام المغاربة، وخصوصا منهم الذين انتخبوه، بكتابة مذكراته، رغم أنه أخبرنا في يوم من الأيام بأنه سيحمل معه بعض الحقائق إلى قبره!
قرأنا، في مسلسل رمضاني، ما اعتُبر "مذكرات غير سياسية" لبنكيران، لكن ما يهمنا، بعيدا عن "النكت الحامضة" التي كان يعتزم أن يحكيها على مسامع الملك محمد السادس، ليس فقط تجربة بنكيران في الحكومة وبعد ذلك مع ما سمي بـ"البلوكاج"، ولكن أيضا قصته مع حركة الشبيبة الإسلامية، وقبلها الشبيبة الاتحادية، وتأسيسه لـ"الجماعة الإسلامية" وتقرّبه، بعد ذلك، من دوائر القرار السياسي، في إطار مفاوضات طويلة وشاقة، مع الراحلين وزير الداخلية السابق إدريس البصري ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية عبد الكبير العلوي المدغري... وصولا إلى دخول القوقعة الفارغة للحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية للراحل الدكتور عبد الكريم الخطيب، ثم أحداث 16 ماي 2003، ومحنة حزب العدالة والتنمية الذي كان خطر الحلّ محدقا به، قبل الوصول إلى محطة 20 فبراير 2011، والإعداد للدستور الجديد، فالانتخابات والتعيين، على رأس الحكومة وهلم جرّا...
صحيح أن كثيرا من الحقائق سيحملها بنكيران إلى قبره، لأن المجالس الخاصة جدا "أمانة"، خصوصا التي أثيرت فيها قضايا حساسة، تهم أمن واستقرار البلاد، لكن هناك أمانة أخرى، وهي "تنوير" المؤرخين لهذه المرحلة الفاصلة، خصوصا منذ "مخاض" دستور 2011، وما عرفه من انعطافة كبيرة في التاريخ السياسي للمملكة الشريفة.
من هذا المنطلق يبدو بنكيران ملزما بتخصيص بعض الوقت، وخصوصا بعد "تقاعده السياسي النسبي" الحالي (اللهم إذا كان يعتزم العودة إلى المعترك من بوابة حركة التوحيد والإصلاح، قبل المؤتمر المقبل لحزب العدالة والتنمية والحرمان المحتمل لسعد الدين العثماني، كما فعل سابقا، من ولاية ثانية على رأس الحزب)، لكتابة "أحاديث في ما جرى"، ولا بأس بالاستعانة بشخص يحررها، لأن قوة بنكيران في "الشفوي"، كما فعل اليوسفي مع امبارك (عباس) بودرقة.
وسيجد بنكيران كثيرا من المحكيات ليسردها على المغاربة، وليس أقلها تحديد من هم "التماسيح والعفاريت"، كما فعل اليوسفي، وحسنا فعل، بتحديده لمعنى جيوب المقاومة التي كان يبرر بها محدودية نتائج حكومته.
لقد كانت "أحاديث" اليوسفي مثيرة لما تضمنته من تفاصيل حول التجسس ودسائس الراحل البصري، فضلا عن بطولات المقاومة والصراع مع نظام الملك الراحل الحسن الثاني، ولا أظن أن مذكرات بنكيران ستقل إثارة، خصوصا أن الرجل يجيد الحكي، وإذا افتقدت كثيرا من "المعقول"، فستتضمن كثيرا من الطرائف التي ستسير بها الركبان!
وفضلا عن أهمية كتابة بنكيران لمذكراته من الناحية الأكاديمية (حتى تكون مادة بين أخرى للمؤرخين والعاملين في مجالات العلوم السياسية وعلم الاجتماع السياسي وغير ذلك)، وحتى من الناحية الشعبية، كما أنها ستغني جانبا يكاد يكون فارغا في المكتبة العربية، وهو المتعلق بتجربة الحركة الإسلامية في الحكم. وإذا كانت هذه التجربة مستمرة حتى الآن مع العثماني، فإنه يُحسب لبنكيران أنه كان أحد مؤسسي التجربة، إلى جانب الملك محمد السادس طبعا.. تماما كما وقع بين الملك الحسن الثاني واليوسفي، ولهذا على بنكيران أن يسير على خطى سلفه، وليس ذلك عليه بعزيز...
05 janvier 2024 - 12:00
19 décembre 2023 - 12:00
18 novembre 2023 - 20:00
18 septembre 2023 - 20:00
19 juillet 2023 - 10:00
07 novembre 2024 - 12:00