في الصميم
في ذكراه 29.. اتحاد المغرب العربي لم يتجاوز مرحلة الحلم!
مصطفى أزوكاح
يحتفل المغاربيون غدا السبت بعيد ميلاد اتحاد المغرب العربي. كيان ولد ميتا، لكن الجميع يذكر بنقطة البداية تلك، قبل 29 عاما، عندما جاء الإعلان من قادة دول المنطقة. إعلان أثار شكوك الكثيرين في قدرة على هذا الفضاء على التحول إلي تكتل سياسي أو اقتصادي، لكنهم استسلموا للحلم، الذي تجلى أنه لن يتحقق في المدى المتوسط على الأقل.
مضت 29 عاما، على قمة مراكش التي انعقدت 17 فبراير 1989، ومازال الحالمون من المغاربيين ينتظرون تحقق المعجزة وبث الروح في الجسد المتصلب، وهم يسوقون من أجل ذلك الكثير من البديهيات، التي تبعث في نفوسهم الأمل، أحدهم سيقول لك أنظر إلي وجوه أبناء أقطار المنطقة، ويتحداك أن تتمكن من تحديد من يكون الجزائري أو التونسي أو المغربي أو الليبي أو الموريتاني، بقراءة جغرافيا الوجوه. و أنت لن تعدم من يحدثك عن المشترك بين ساكنة الفضاء المغاربي. لن تختلف معه عندما يحيلك على وحدة اللغة و التاريخ و الجغرافيا و العادات.
ولن تجد بدا من التسليم بالروابط الإنسانية التي تجمع شعوب ذلك الفضاء. ثم إن هناك من سيحيلك على الطريقة التي تمكن بها الأوروبيون من الوصول إلى بناء فضاء اقتصادي مشترك، رغم الحروب التي خلفت الكثير من الأحقاد التي ما كانت لتتوارى من أجل الجلوس إلى طاولة مفاوضات والحلم بمستقبل أضحى اليوم حاضرا تبدو فيه أوروبا قوة اقتصادية و سياسية وزانة.
ما الذي أتاح تلك الوحدة؟ لقد كان روبرت شومان وزير خارجية فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية ومواطنه جون موني، يعتقدان أن خلق مجموعة اقتصادية أوروبية هي الحل الوحيد لتفادي حرب في المستقبل بين فرنسا و ألمانيا.
لقد بدت الفكرة حلما مجنونا في البداية، لكن فرنسا كانت مصرة على إقناع ألمانيا بفوائد الوحدة، وهو ما استجاب له المستشار الألماني كونراد إديناور الذي راوده حلم توحيد ألمانيا و إعادة إصلاح ما أفسدته الحرب مع الجيران الأوروبيين.
هذا ما أفضى إلى خلق المجموعة الأوروبية للفحم والصلب، التي انخرط فيها ست دول من الاستفادة المشتركة من الثروات المتوفرة. لم يتم التفريق بين المنتصرين والمنهزمين في الحرب. فقد تغلبت المصلحة وخدمة الشعوب الأوروبية في تلك البلدان الديمقراطية، على الأحقاد التي كانت طرية آنذاك.
وما كان ذلك ليتحقق لولا وجود سياسيين يستشرفون المستقبل و مهمومين بتبوأ أوروبا الخارجة من الحرب العالمية الثانية، مكانة وازنة في ظل التحولات الاقتصادية والسياسية الجارية في العالم آنذاك.
هذا درس يجب استحضاره في تصور البعض حين الرغبة في تحقيق الاندماج الاقتصادي المغاربي، فالكثيرون يدركون أن ذلك الهدف يبقى رهينا بالتخلي عن ذلك الكبرياء السياسي الذي يوحي بالبحث عن التتويج زعيما في المنطقة قبل تناول القضايا الأخرى.
الحالمون باتحاد مغاربي يجزمون بأن الاندماج الاقتصادي يستدعي قادة ملهمين وقادرين على الاستسلام لحلم يراود الكثيرين. حلم يمكن أن تسنده مصلحة تستدعي براغماتية تنظر إلى الأرباح قبل الخسائر.