موسى متروف
لما وصف المنتج والمخرج محمد عبد الرحمان، بوضوح، من يسيّرون حاليا الشأن السينمائي، وضمنيا من يسيّرون القطب العمومي "المتجمّد"، في المملكة الشريفة بـ"الأقزام"، في حوار مع "مواطن"، لم أعتبر ذلك سبّا أو نبزا بالألقاب، وإنما توصيفا أقرب إلى الواقع.
ما قصده الرجل، الذي عُرف، من جهة، بكعبه العالي في مجال عمله، وبرزانته ومواقفه الرصينة، من جهة ثانية، هو أن مَن يسيّرون القطاع السمعي البصري يتحملون مسؤولية "أكبر" منهم، فهُم أقزام بالنسبة إليها، في الوقت الذي تتطلب مسؤولين ذوي همّة عالية!
و"الأقزام" في الحقيقة ليس وصفا قدحيا دائما، واسألوا الأطفال، يأتوكم بالخبر اليقين، ربما بتأثير من قصة "سْنو وايت (أو بْلانش نيج) والأقزام السبعة"، والتي أبدع والت ديزني، وبميزانية غير مسبوقة، لإخراجها سينمائيا (ونحن نتحدث في سياق الإبداع السمعي البصري) بشكل فني رائع، أقزامٌ طيبون استضافوا الأميرة في بيتهم وفرحوا بها، وزاد فرحهم عندما استيقظت من سبات طويل بفعل سحر الملكة الشريرة التي حسدتها على جمالها، والتي لولا قُبلة الأمير لما عادت إلى الحياة...
وطبعا ليس كلّ "الأقزام" طيبين، وليس كل من يسيّرون القطاع السمعي البصري أشرارا ومن احتجوا في الأيام الأخيرة ليسوا كلّهم أخيارا!
صحيحٌ أن المشاهد المغربي يعاني الأمرّين؛ فما يراه، أولا، على "شاشته" الصغيرة، لا يشرّف تاريخه، ولا يعكس صورته ولا يرقى بذوقه. قنوات متعددة لكن "الإفلاس" هو القاسم المشترك بينها، في ضوء (أو في "ظلام"، بالأحرى) الزبونية والمحسوبية التي صارت "مؤسَّسة" و"بنيوية" ومنذ سنوات طويلة...
وثانيا، عندما "يهاجر" هذا "المواطن" المغربي إلى قنوات أجنبية لا يجد إلا نزرا قليلا من مواد "قريبة" منه، وسط ركام لا يهم إلا "الغير" بأهدافه وهويته الخاصة.
إذن، عند الحديث عن "الفساد" في هذا القطاع، فإن الأمر يتعلق بطرفين، كالرشوة؛ إذ لا يمكن الحديث عن مرتشٍ بدون رائش!
و"الرائش"، في هذا التشبيه، يوازي شركات الإنتاج التي "تحتكر" المجال، وهي التي سارعت إلى إنتاج ثلاثة أفلام قصيرة، كيفما كانت درجة جودتها، المهم هو الحصول على الرخصة، والغاية تبرر الوسيلة!
ورأينا من بين وجوه "الحراك"، في هذه الأيام، بعض المخرجين والمنتجين أنتجوا ثلاثة أفلام قصيرة للواحد منهم، لم تكلفهم ماديا إلا قليلا، وفي أغلب الأحيان بالمجموعة ذاتها من الممثلين وفي الفضاءات نفسها وبالأزياء عينها، وربما كان كلُّ الفريق يعمل في إطار مسرحية أو غيرها بالتوازي، لكن بمقابل مادي واحد، تمّ الاتفاق عليه في الأصل على عمل واحد!
وطبعا تسليم الرخصة لشركة الإنتاج، والبطاقة المهنية للمخرج، لا يتطلب ثلاثة أفلام قصيرة، وإن كانت مغرقة في الرداءة والتفاهة، بل إن فيلما طويلا واحدا، بالرداءة ذاتها، لكنها ممددة وممططة، يفي بالغرض!
هي حربٌ بين طرفين في ميزان قوى مختل؛ طرف يستقوي بسلطته التي منحتها له الدولة، وطرفٌ "ضعيف"، يحمل في شخصيته القابلية على الاستغلال، لأنه قَبِل بها طويلا أو استفاد منها كثيرا، قبل أن تدور عليه الدوائر!
يذكّرني هذا الوضع بأسطورة، أوردها شاعر الإغريق الكبير هوميروس في ملحمته "الإليادة" عدما تحدث عن أقزام "البيغمي" (Pygmées)، الذين قضت عليهم طيور الكركي (grues). فقد حكى أن تلك الطيور ارتفع صراخها، بعد أن فرّت من فصل الشتاء والأمطار الغزيرة التي لا تكاد تتوقف، لتتجه نحو المحيط وتأتي بالدمار والموت لتلك الأقزام....
طيور طيبة حوّلتها الأسطورة إلى موت داهم لأقزام صاروا ضحايا... هل هذا ما يريده مُطلِق وصف "الأقزام" على مسيري القطاع السمعي البصري في المملكة، في مشهد ينتهي بالضحك، لأن "مَن يضحك آخِرا يضحك كثيرا"،كما يقول المثل الفرنسي، أو بـ"ضحكات الكركي"، كما هو عنوان ديوان لشاعر آخر، مغربي هذه المرة اسمه عبد الجواد العوفير؟!
05 janvier 2024 - 12:00
19 décembre 2023 - 12:00
18 novembre 2023 - 20:00
18 septembre 2023 - 20:00
19 juillet 2023 - 10:00
07 novembre 2024 - 12:00