موسى متروف
ليس لـ"الحائط القصير" معنى سلبي دائما، فإذا ترجمنا العبارة إلى اللغة الفرنسية نجدها "le mur bas". ألا توحي لكم الآن بشيء إيجابي؟! طبعا يُحيل إلى الحائط القصير الذي يفصل "الصالون" عن أهل البيت في بلادنا، خصوصا عند الأُسر التي لا تفضّل الحيطان الفاصلة والأبواب الموصدة في وجه الضيوف!
هذه هي الصورة التي أتمناها للصحافي، على الأقل، في هذا البلد الأمين، لا بالمعنى القدحي لـ"الحائط القصير"؛ أي الجانب الضعيف في معادلة العلاقة مع السلطة، بالمعنى العام، وهي علاقة في الغالب الأعم تصادمية، لأنني ببساطة لن أتصور الصحافي، بالمعنى النبيل والمهني للكلمة، إلا قويا في أي معادلة كيفما كانت، لأن الذي يريد أن يُضعفه، أو يتصور أنه يُضعفه، إنما يُضعف نفسه، ولو بعد حين!
المعادلة تقتضي، يا سادة، إن أردنا أن نؤسس للديمقراطية، أن يكون الصحافي "ناطقا رسميا باسم الديمقراطية"، ولا تحتكم السلطة إلا إلى القانون. وطبعا هذا القانون هو صُنع بشري ينبغي أن يتطور في اتجاه مزيد من الحرية للصحافيين، وهؤلاء عليهم أن يتحملوا، بالضرورة، مسؤوليتهم دون أن يكونوا فوق القانون.
ولكن بأي قانون يجب أن تتم محاكمة الصحافي؟ المسألة لا تقبل النقاش، وهي في حكم البداهة. ما دام هناك قانون للصحافة والنشر ففي إطاره يجب أن يُحاكَم الصحافي، حينما يتعلق الأمر بـ"جرائم الصحافة"، وليس بجرائم حق عام عادية. فلا أحد يطالب بمحاكمة صحافي ارتكب جريمة قتل أو سرقة أن يُحاكم في إطار قانون الصحافة!
مصطفى الخلفي، الصحافي السابق ووزير الاتصال السابق في حكومة عبد الإله بنكيران لم يستطع أن يجعل الصحافي يحاكَم، عند الاقتضاء، في ما يتعلق بـ"جرائم الصحافة"، حصرا في إطار قانون الصحافة والنشر، وخلال سنواته الخمس الطويلة لم يجد إلى ذلك سبيلا، ورغم ذلك فهو مستعد بوصفه "الناطق الرسمي باسم الحكومة" (وهي الصلاحية التي احتفظ بها في ظل حكومة سعد الدين العثماني)، أن "يغالط نفسه" ويقدم قانون الصحافة والنشر الذي تم إعداده في "عهده" (القانون رقم 88.13) كأنه فتح مبين، لأنه لا يتضمن عقوبات حبسية، في الوقت الذي توجد هذه العقوبات الحبسية في قوانين أخرى!
وإذا كانت "المناسبة شرط"، كما يقول علماء الأصول، فأنا هنا أتحدث حول قضية صحافيين أربعة وخامسهم برلماني ستنطلق محاكمتهم يوم 25 يناير الجاري، وبمقتضى القانون التنظيمي رقم 85.13 الذي يتعلق بطريقة تسيير اللجان النيابية لتقصي الحقائق، حول ما اعتُبر "تسريبات" تتعلق بلجنة تقصي الحقائق البرلمانية حول التقاعد.
رب قائل يقول إن الأمر يتعلق بقانون، ومهما يكن من أمر فالنيابة العامة لها الحق في تكييف التهمة.
تنص المادة 14 من هذا القانون على أنه "يعاقب بغرامة 1.000 إلى 10.000 درهم وبالحبس من سنة واحدة إلى خمس سنوات أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل شخص قام، مهما كانت الوسيلة المستعملة، بنشر المعلومات التي تولت اللجنة جمعها، وتُضاعَف العقوبة في حالة نشر المعلومات المتعلقة بمضمون شهادات الأشخاص الذين تم الاستماع إليهم، وذلك دون الإخلال، عند الاقتضاء، بالعقوبات الأشد التي قد يتطلبها تكييف الفعل الجرمي".
لن "أترافع" هنا عن البرلماني، لأنه ينتمي إلى نقابة عمالية وهو قبل ذلك برلماني له حصانة وله مكانة اعتبارية كعضو في مؤسسة دستورية، وربما سهل عليه، حتى قضائيا، الدفع بأنه لم "ينشر"، ما دامت المادة السابقة تتحدث عن "كل شخص قام، مهما كانت الوسيلة المستعملة، بنشر المعلومات...."، ولكن سأخص بحديثي الصحافيين.
هؤلاء الصحافيون قاموا بعمل من صميم عملهم المهني، ومبدئيا يجب أن يتابعوا في إطار قانون الصحافة والنشر، لكن يبدو أن المادة 14 هذه من القانون إياه مرّت دون أن ينتبه إليها الصحافيون، وأنا منهم، ولا النقابة الوطنية للصحافة المغربية، ومن باب حُسن الظن، أقول ربما لم ينته إليها الخلفي أيضا خلال إعداد هذا القانون وخلال مسلسل المصادقة عليه.
والخطير أن هذه المادة تتضمن عقوبة حبسية تصل إلى خمس سنوات، قد تتضاعف "في حالة نشر المعلومات المتعلقة بمضمون شهادات الأشخاص الذين تم الاستماع إليهم"، وأمامنا الآن حالة الاستماع إلى من تمّ الاستماع إليه وهو بنكيران! والأنكى أن المادة خُتمت بشكل غامض، فتح الباب على مصراعيه للبحث عن "العقوبات الأشد التي قد يتطلبها تكييف الفعل الجرمي"!
نحن إذن أمام متابعة لصحافيين بمقتضى قانون آخر غير قانون الصحافة والنشر، وهو (القانون التنظيمي حول طريقة تسيير اللجان النيابية لتقصي الحقائق) يحيل في مواد منه إلى القانون الجنائي، كالمادة 13 ربطا بموضوع شهادة الزور على سبيل المثال، وأعطى، في مادته 15، للنيابة العامة حق تولّي، "ما لم توجد مقتضيات خاصة، إجراء المتابعات المنصوص عليها في المواد 12 و13 و14" وزاد أن ذلك يتم "بناء على شكاية يوجهها إليها رئيس المجلس المعني (لأن الأمر يتعلق بمجلسي البرلمان) بناء على تقرير رئيس اللجنة".
نحن في هذه الحالة أمام "تضييق" على الصحافيين لن تتحمل فيه مؤسسة النيابة العامة المسؤولية وحدها، بل سيتحملها السياسيون أيضا والذين أصبحت مستقلة عنهم (بعد أن استقلت عن وزارة العدل) لحسن الحظ.
أولا، لأن السياسيين معنيون، من خلال الحكومة والبرلمان. فالبرلمانيون هم من ينتج القوانين، سواء بمبادرة منهم (مقترحات) أو بالمصادقة على المشاريع التي تقدمها الحكومة. وهم في النهاية مسؤولون، وتحديدا الأغلبية السابقة وعلى رأسها عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة السابق، عبر ذراعه الإعلامي الخلفي، عن القانون الحالي.
وثانيا، السياسيون مسؤولون عن ما وقع، بحكم أن الموضوع قد تمت إثارته فقط لأنه تم "الاستماع" تحديدا إلى بنكيران، رئيس الحكومة وقتئذ، حول موضوع "إصلاح التقاعد".
وثالثا، السياسيون مسؤولون، من خلال حزب الأصالة والمعاصرة، الذي يرأس الآن مجلس المستشارين (في شخص حكيم بنشماش) ويرأس لجنة تقصي الحقائق المعنية (في شخص رئيس فريقه عزيز بن عزوز). وقد يكون بنشماش فهم من جملة "بناء على شكاية يوجهها إليها رئيس المجلس المعني بناء على تقرير رئيس اللجنة" أنه مفروض عليه، بقوة القانون، أن يقدم شكاية إلى النيابة العامة.
وما يؤكد هذا الاتجاه، هو بلاغ بنشماش الذي أصدره يومه الخميس 04 يناير 2017، والذي شدد فيه على أنه، في هذه الحالة، يعتبر "سلطة إحالة"، وضمنيا "شراها" للقيادي في حزب العدالة والتنمية المصطفى الرميد، وزير العدل والحريات السابق (وكان يرأس النيابة العامة حينئذ) ووزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان الحالي، ليأتي مصطفى الخلفي، في اليوم ذاته ويؤكد هذه "الإحالة التلقائية"!
ومهما دفع مسؤولو حزب "التراكتور" بكون الأمر يتعلق بمؤسسة دستورية، هي الغرفة الثانية للبرلمان ولا علاقة للأمر بحزبهم، فإن التاريخ سيكتب أن الصحافيين، في هذه القضية، وفي مواضع أخرى، أريد لهم أن يكونوا "الحائط القصير"، ولكن بالمعنى السلبي الذي أشرت إليه أعلاه في عملية الضرب تحت الحزام بين الغريمين "البام" و"البيجيدي".
عندما تحدثت عن المعنى الإيجابي (نسبيا) لـ"الحائط القصير"، فقد قصدت أن يكون الصحافي وسيطا من جهة، بين من يجلس في "الصالون" وهو ضيف، مهما كان من ذوي المقام العالي ومهما طال به المقام، ومن جهة ثانية، بين "أهل الدار" (الشعب)، عبره يمرّ الصوت، خصوصا بالنسبة للذين لم يستطيعوا الجلوس في "الصالون"!
05 janvier 2024 - 12:00
19 décembre 2023 - 12:00
18 novembre 2023 - 20:00
18 septembre 2023 - 20:00
19 juillet 2023 - 10:00
07 novembre 2024 - 12:00