موسى متروف
لا أدري لماذا يذكرّني دائما إدريس لشگر بشخصية "مفيد الوحش"، الشخصية المحورية لرواية "نهاية رجل شجاع" لـ"شيخ الرواية السورية" حنا مينه، أطال الله في عمره، لكن لما قرأت خبرا على صحيفة "الاتحاد الاشتراكي"، يوم الجمعة 29 دجنبر 2017، على رأس الصفحة الأولى، يتطرق إلى اللقاء الذي عقدته "قيادة" حزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" ووفد حركة المقاومة الإسلامية "حماس" (توضيح اسم الحركة من عندي)، عادت إلى مخيالي شخصية "مفيد الوحش" بكل تفاصيلها.
يقول الخبر "اللقاء دام زهاء ساعتين، كان فرصة لحوار قوي، صريح وشجاع..."، وطبعا فهمتم أن أكثر ما همّني من هذا الكلام كلمة "شجاع"، ولكن ليس من أجل ربط تعسّفي مع الرواية وعنوانها وبطلها، ولكن لجملة من الأسباب...
ماذا تعني "الشجاعة" في لقاء مع خالد مشعل، الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة "حماس"؟ وما الرأي الذي "أفتاه" عليه لشگر، حتى يعدّ من طينة الرأي الذي امتدحه أبو الطيب المتنبي عندما قال: الرأيُ قبل شجاعةِ الشجعانِ.. هُو أولٌ وهي المحل الثاني؟!
نقرأ في المقال إياه أن لشگر دعا "بكل مسؤولية وصراحة قيادة حماس إلى القيام بخطوة تاريخية، من أجل الدفع أكثر بالمصالحة الفلسطينية الفلسطينية"، وزاد، والعهدة على لسان حال حزبه "إنه غير مسموح لحركتي فتح وحماس بالانشغال بغير المصالحة، ومركزية القضية، وتحرير الأرض، وقيام الدولة المستقلة"... يا للفتح المبين! هل الشجاعة في عرف أهل "الوردة"، التي يبدو أنها لم تعد تحتفظ إلا بالأشواك التي تُدمي كل من اقترب منها، هي أن نبدأ الكلام بعبارة من قبيل "غير مسموح..."، وفيها ما فيها من تعال وإعطاء للدروس ونقص في اللياقة؟
صحيح أننا أُتخمنا، من زمان، بـ"سلام الشجعان" (حتى نبقى في إطار موضوع الشجاعة)، منذ انطلاق ما يسمى بـ"مسلسل السلام" في الشرق الأوسط، حيث بشّر به الراحل ياسر عرفات، وذكّرنا بعرض "سلام الشجعان" (la paix des braves) الذي أطلقه الجنرال شارل دوغول في اتجاه ثوار الجزائر....، وصحيح أنه من المفترض أن يتأسس سلام الشجعان بين الفرقاء الفلسطينيين أنفسهم أولا، قبل أن يمدوا أيديهم أو يمدها إليهم عدوهم الصهيوني، لكن لا شجاعة في ما قاله لشگر لمشعل، وهذا الرجل، مهما اختلفنا معه إيديولوجيا، فهو رمز من رموز المقاومة الفلسطينية، وناله ما نال رموزها من أدى جسدي ومعنوي، وهو من "أهل مكة" الذين هم "أدرى بشعابها"... اللهم إلا إذا كان لشگر يعتبر أن استقباله لمشعل والوفد المرافق له شجاعة في حد ذاتها، مع أننا نعلم أن حزب العدالة والتنمية هو الذي دعاه، برعاية ملكية، ولربما الشجاعة تحسب هنا لملك البلاد (وهنا لا أرمي ورودا مجانية)، الذي كان له خطابٌ شجاع ضد الولايات المتحدة في الرياض (القمة المغربية الخليجية في أبريل 2016)، قبل أن ينفجر موضوع القدس مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ثم رسالته إلى هذا الأخير وللأمين العام الأممي وفتح باب المملكة لأحد رموز "حماس"، في الوقت الذي أصبح الإسلاميون كالنعاج الجرباء، بعد طي صفحة "الربيع العربي" الذي كان أخضر في أغلب ملامحه!
ربّ قائل يقول: وما علاقة لشگر، في هذا السياق، بـ"مفيد الوحش" ورواية "نهاية رجل شجاع". والواقع أن اسم الرواية استحثته في الذاكرة هذه "الشجاعة" المفترى عليها، لكن ملامح شخصية "بطل" الرواية تتشابه، في أوجه كثيرة، مع شخصية "السي إدريس"، الذي يستحق، فعلا، أن يكون بطل رواية.
"مفيد" (باسمه الدالّ على ضدّه) كان يملك جسدا عملاقا خُلق للشجار والعراك وتحمل الأثقال، ولكن عقله كان فارغا كقلب أم موسى. ومر من شقاوة الطفولة (مع القصة الطريقة لقطعه ذنب الحمار ليصنع منه "كرباجا")، إلى شقاوة متحوّلة على امتداد العمر، وكان كل مرة يتغيرّ لكي لا يتغيّر في النهاية!
وفي هذا تحديدا يذكّرني بلشگر، ومساره من رجل محمد اليازغي، إلى عدوّ اليازغي، فمناهض لحركة فؤاد عالي الهمة وتلقيبه بـ"الوافد الجديد"، ثم تقرّب منه، ودخل حكومة عباس الفاسي في الزمن بدل الضائع.. وصار كاتبا أول لحزب "القوات الشعبية".. وعارض حكومة عبد الإله بنكيران، وقالا في بعضهما ما لم يقله مالكٌ في الخمرة.. وأراد أن يدخل حكومة بنكيران ذاته بعد انتخابات 2016، فكان من عناوين "البلوكاج"، ثم صار رفيقُه الحبيب المالكي رئيسا لمجلس النواب حتى، قبل أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، ففُرض حزبه فرضا على سعد الدين العثماني... كلّها تحولات رافقتها "انحناءات" للرياح حتى تمر، ورأينا كيف اختفى منذ تشكيل حكومة العثماني، اللهم ظهوره السريع إلى جانب هذا الأخير خلال "حفل" تقديم حصيلة الأشهر الأولى، ثم عاد إلى "سباته الشتوي"، قبل أن يخرج في صورة نشرتها جريدته مع مشعل...
وطبعا لا أتمنى نهاية "مفيد الوحش" للكاتب الأول لحزب "الوردة" وإن كنت أتمنى نهايته السياسية، لأنها كانت لحظة مأساوية بشكل مزدوج، حيث انتهى به المطاف إلى ارتكاب جريمة قتل ضابط قبل قتل نفسه، وربما كان سبب ذلك، هو أنه رافق السياسيين والثوار السجناء ومع ذلك ظلت نزعته همجية!
05 janvier 2024 - 12:00
19 décembre 2023 - 12:00
18 novembre 2023 - 20:00
18 septembre 2023 - 20:00
19 juillet 2023 - 10:00
07 novembre 2024 - 12:00