موسى متروف
كنّا قد قرأنا عن بلدية مالاطيا في تركيا التي اعتبرت أن "الحافلات الوردية علاجٌ ضد التحرش"، ففكّرت في تحقيق ذلك، واعتبرنا ذلك خبرا طريفا، قبل أن يعود إلينا في صيغة "محلية"، على لسان عمدة الرباط، عن حزب العدالة والتنمية، محمد صديقي، الذي رغب في استنبات الفكرة في عاصمة المملكة الشريفة.
والواقع أنني لم آخذ الفكرة على محمل الجد، في بداية الأمر، لأنني لم أعهد رئيس جماعة الرباط "ملتحيا" أو ضد الاختلاط بين الجنسين، لكن لما أكد ذلك، وحتى في تصريح لصحيفتنا الإلكترونية، عدت لأقلّب الأمر على جميع وجوهه.
إن الهوى التركي حاضر في تصرفات ووجدان قادة حزب إسلاميي المؤسسات وعشق إخوان "البيجيدي" لتركيا قديمٌ، فحزب العدالة والتنمية يشاطر اسمه مع الحزب الأول في تركيا وأيضا مصباحه، وإن كان مصباح "البيجيدي" المغربي من الطراز القديم ومصباح "الأكابي" من الطراز الحديث! كما أن قادته معروفون بتوجيه أبنائهم للدراسة في بلد رجب طيب إردوغان، وعلى رأسهم سعد الدين العثماني (يفترض أن اسمه العائلي لا علاقة له بالدولة العثمانية)، الذي أرسل ابنه نجم الدين (ربما هو سميّ الراحل نجم الدين أربكان زعيم حزب "الرفاه" الإسلامي ورئيس الوزراء التركي السابق) للدراسة بإسطنبول!
وأنا دائما عندما أسمع بعض "المحللين" يربطون بين حزب العدالة والتنمية المغربي وتجربة الإخوان المسلمين في مصر (وإن كان استلهام بعض المسائل التنظيمية من تنظيم الحسن البنا لا يخفى) وفي المشرق عموما، كنت أستغرب وأقول لمن أعرفهم منهم إن الربط مع حزب العدالة والتنمية التركي أقرب إلى المنطق...
لكن، ماذا عن حافلات "هيلو كيتي" أو "باربي"؟ رئيس جماعة الرباط محمد صديقي، أكد في حديث إلى "مواطن"، أن ما جاء حول حافلات مخصصة للنساء كان "في سياق الكلام مع وزيرة المرأة والأسرة والتضامن، في اطار مساهمة جماعة الرباط في محاربة العنف، حيث تكلمت على تجربة في طوكيو حول تخصيص عربات للنساء في الميترو في أوقات الذروة"، و"على هذا الأساس قلت إنه في مدينة الرباط يمكن أن نفكر في هذا الأمر بعد حل المشاكل المتعلقة بالنقل الحضري".
وزاد العمدة أن الفكرة التي طرحها والتي طبقتها عدة دول "لا تحمل أي تمييز ضد المرأة، وليس فيها أي رجوع إلى الوراء"، مشددا على أن جماعة الرباط "لن تقدم على أي خطوة ضد رغبة النساء"، وعلى أن التفكير في هذا الموضوع "إذا تم طرحه" سيتم فتحه لنقاش عمومي!
السيد يريد نقاشا عموميا حول هذه الحافلات، ومباشرة نسأله: إذا لم يكن في الأمر أي رجوع إلى الوراء، فلماذا يريد أن يجعل الأمر موضوع نقاش عمومي أصلا، إذا لم يكن في حكم المُريب الذي يكاد يقول: خُذوني؟!
وإذا أردنا أن نستفيد من التجارب الخارجية، فيجب أن نطالع أيضا الآثار التي تركتها مثل هذه التجارب هناك، وعلى سبيل المثال لا الحصر (لأن هناك تجربة "الطاكسي الوردي" الفاشلة في مصر)، نأخذ بلدية مالاطيا التركية الرائدة في هذا الباب، وإن كان الأمر يتعلق فقط بحافلتين "ورديتين" دشّنهما الرئيس التركي إردوغان شخصيا في شهر شتنبر الماضي، فإن حزب الشعب الجمهوري المعارض اعتبر الإجراء تمييزا، رغم أن ذلك كان استجابةً لطلب مجموعة من الطالبات الجامعيات بتخصيص حافلات خاصة بالنساء فقط!
لنكن واضحين، حزب العدالة والتنمية يعاني، بشكل مزمن، من "گمزة" المرجعية الإسلامية، والتي تظهر، بين الفينة والأخرى، أو هي شكلٌ بمثابة المضمون الذي يطفو على السطح، على حد تعبير الكبير فيكتور هوغو. وغالبا ما تتخذ لبوس مبادرات لتفعيل قوانين طمرها الزمن أو ابتداع إجراءات جديدة، وعلى استحياء، وغالبا ما يكون للأمر علاقة بالدين! ولا ننسى، في هذا المقام، حادثة منع الرهان في القنوات العمومية وغزوة دفاتر التحملات التي قادها وزير الاتصال السابق مصطفى الخلفي.
وعسى أن يقنعنا صديقي أن حافلاته الوردية ستؤمّن "هيلو كيتي" من كل "فهد وردي" سعت زميلته بسيمة الحقاوي، وزيرة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية، بإبعاده عنها في حملتها الأخيرة على وسائل الإعلام، لكن بدون جدوى!
05 janvier 2024 - 12:00
19 décembre 2023 - 12:00
18 novembre 2023 - 20:00
18 septembre 2023 - 20:00
19 juillet 2023 - 10:00
07 novembre 2024 - 12:00