مصطفى أزوكاح
دفن الأخوان اللذين قضيا تحت الأرض، وهما يبحثان عن الفحم بجرادة من أجل تأمين قوت أسرتهما، كما يفعل أبناء المدينة المنجمية التي تشكلت حول الفحم، قبل أن تقرر الدولة المغربية إقفال «مفاحم المغرب» في 1998، بسبب ارتفاع تكلفة الفحم، والتوجه نحو الاستيراد، لتترك ساكنة المدينة نهبا للفقر والبطالة.
دفن الأخوان اليوم، ولم تدفن معهما معاناة المدينة، التي يتهدد أبناءها الموت في أعماق الأرض، التي يغامرون بالنزول إليها، من أجل استخراج فحم يبيعونه بثمن بخس لمن يملكون رخصا للتسويق. فرغم الأخطار التي تتهددهم عندما يصعدون إلي الجبل، سيستمرون في مقارعة الموت في تلك الحفر والسراديب.
دفن الأخوان، ولم تدفن معهما آمال الساكنة، التي عبرت في الأيام الأخيرة، عن تطلع مشروع في أن تعامل مثل الآدميين في بلدها. لم يطالبوا، في هذه الأيام، سوى بالكرامة. تلك الكرامة التي تحفظها لهم فرص عمل، وتتيح لهم ما به يعيلون أسرهم.
كانت وفاة الأخوين سببا وجيها للغضب الذي عبر عنه أبناء المدينة، الذين طالبوا ببديل اقتصادي عن «مناجم الموت» التي تزهق الأرواح. صور الموت تدفع المرء إلي استعادة صور من رواية «جيرمينال» لإميل زولا، التي وصفت الأوضاع اللاإنسانية عمال المناجم بفرنسا. الرواية صدرت في 1885.
هذا وضع مازلنا نعيشه بالمغرب، حيث الموت يخطف الأرواح في مناجم، كما حدث مؤخرا بشيشاوة، حين قضى شخصان كانا يبحثان عن النحاس. وعندما سئل وزير الطاقة والمعادن عند فقيدي شيشاوة بمجلس النواب، أجاب أن الأمر يتعلق بباحثين سريين عن النحاس، ولم يبادر إلي الترحم عليهما.
عندما تتحدث في هذه الأيام إلى أبناء مدينة جرادة، يحدثونك عن «مفاحم المغرب»، التي طوت الدولة صفحتها قبل عشرين عام، دون أن تفتح صفحة جديدة للتنمية الاقتصادية في المغرب، التي ترك شبابها نهبا للبطالة، بينما تعاني أسرهم من فقر مدقع.
تراجع عدد سكان المدينة في عشرة عوام إلى 43 ألف نسمة، فلم يشأ الكثيرون مغادرتها، رغم صعوبة الحياة فيها وعدم توفر فرص العمل. اختاروا الوفاء لمدينة كانت، منذ 1927، مدينة منجمية، فلهم فيها أهل وذكريات، لم يكفوا عن تغذية الأمل في أن يلتفت إليهم أصحاب القرار السياسي والاقتصادي، كي يمنحوهم أسباب العيش الكريم في تلك المدينة.
وعندما كان العديدون يضعون قلوبهم على أيديهم خوفا من تطورات لا تحمد عقباها بعد غضب ساكنة جرادة، لم تبادر الحكومة في نهاية الأسبوع إلى توضيح موقفها مما حدث، فقد كان الصمت سيد الموقف، إلا ما كان من تصريح لوزير الطاقة والمعادن، عزيز رباح، الذي عبر عن نية الوزارة في وضع خريطة جيولوجية للمنطقة، بهدف جذب الاستثمارات في القطاع المعدني. فهل المغرب لا يتوفر على بيانات حول ما تختزنه تلك المنطقة من معادن؟ المنطق السليم يقول إنه كان يتوجب أن تكون الوزارة محيطة بكل ما يرقد تحت أرض هذا البلد من معادن.
واليوم الاثنين، عندما مثل رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني أمام مجلس النواب، وعد رئيس الحكومة باستقبال برلمانيي المنطقة، بينما أعلن فريق العدالة والتنمية عن تطلعه إلى حضور وزيري الطاقة والمعادن والداخلية، أمام لجنة برلمانية من أجل التداول فيما حدث بجرادة، وعبر البيجيديون عن الرغبة في تشكيل لجنة من أجل إنجاز مهمة استطلاعية بالمنطقة.
غير أن أبناء المدينة الذين اعتصموا أمام عمالة جرادة، بعد دفن الأخوين، أكد العديد منهم على ضرورة حلول لجنة وزارية بمدينة جرادة، من أجل التعرف على حقيقة الوضع بها، والوقوف على أسباب عدم إنجاز مشاريع وعد بها أبناء المدينة بعد إقفال " مفاحم المغرب"، والتعرف على المشاريع التي وضع حجر أساسها في الأعوام الأخيرة، دون أن تنجز.
حرص أبناء المدينة على التأكيد على سلمية احتجاجاتهم ونزّهوها عن كل غرض سياسي، فهم يريدون بديلا اقتصاديا يدفع عنهم حمام الموت في كل مرة يسعون فيها إلى الجبل بحثا عن الفحم. فهل تنصت الحكومة لنداء مغاربة يحلمون بأن يفلتوا من فخ الفقر وأنياب الموت الذي يسيء لصورة المغرب، الذي لا يمكن أن يكون بلدا صاعدا، إذا كان الموت يعصف بأرواح أبنائه في القاع.
05 janvier 2024 - 12:00
19 décembre 2023 - 12:00
18 novembre 2023 - 20:00
18 septembre 2023 - 20:00
19 juillet 2023 - 10:00
07 novembre 2024 - 12:00