موسى متروف
"يجمُل بنا ونحن نكتب عن الحكومة الملتحية أن نتحدث عن لحيتها، لأنها أول ما سيظهر منها للعين قبل الأعمال والمنجزات. وسيكون بعض اللحى طويلا عريضا، وبعضها خفيفا لطيفا، وبعضها يلتقي بشارب محفوف، وبعضها يصعد فوق الخدّين ليلتقي بإطار النظارتين، فلا يكاد يظهر من وجه الوزير شيء. لكن بعضها سيكون مجرد شعيرات في الذقن، لتأكيد الالتزام بالسنّة وكفى، وهذا ما سوف يحدث في الغالب في الحكومة الملتحية الأولى على الأقل".
يمكن اعتبار الكلام أعلاه من جنس "التخييل"، لأن كاتبه الراحل الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري كتبه، ضمن مؤلفه "الحكومة الملتحية - دراسة نقدية مستقبلية"، قبل أن تتشكل أول "حكومة ملتحية" في 03 يناير 2012، وهي الحكومة الثلاثون، التي ترأسها عبد الإله ابن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الإسلامي.
كان الكتاب "تخييلا" أو "دراسة مستقبلية"، كما سمّاها مؤلفها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السابق، لكنها لم تكن رجما بالغيب من طرف مَن كان له الفضل، إلى جانب وزير الداخلية القوي الراحل إدريس البصري، بمباركة من الملك الراحل الحسن الثاني، على مَن سيُصبحون إسلاميي المؤسسات في فتح الباب أمامهم للولوج إلى الحياة الحزبية، فالحياة البرلمانية، قبل الوصول إلى الحكومة في عهد الملك محمد السادس، ووزير أوقاف جديد ووزير داخلية جديد...
لقد كتب المدغري عن أُناس خبرهم ومهّد الطريق أمامهم، من خلال مشاركتهم في "جامعة الصحوة الإسلامية"، في ثمانينات القرن الماضي، التي انتهى المطاف بالمشاركين فيها إلى استدعائهم من طرف الملك الراحل وتنظيم حفل شاي على شرفهم بالقصر الملكي ذاته!
وجرت كثيرٌ من المياه تحت جسر إسلاميي المؤسسات، فشكّلوا حكومتهم الأولى، التي لم تكن كلّها ملتحية، بحكم أنها تتشكل من ائتلاف حزبي، لكن لحى أصحابها انتهت إلى أن صارت "خفيفة لطيفة"، قبل أن تزداد "خفة" مع الحكومة الحالية التي يرأسها الدكتور سعد الدين العثماني.
غيابُ اللحية من وجوه من قبيل وجه لحسن الداودي، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة، أو خفتها حتى لا تكاد تظهر في وجه عبد القادر اعمارة، وزير التجهيز والنقل واللوجستيك والماء، أو الاكتفاء بقدر على الذقن في حالة عزيز رباح، وزير الطاقة والمعادن والتنمية المستدامة، ليست مسألة بسيطة، وإليكم ما كتب عنه صاحب "الحكومة الملتحية".
فقد سطّر العلوي المدغري أن القضية "ليست بالبساطة التي نظن، والمسألة ليست شعيرات نحلقها أو نتركها، ولا هي قضية مظهر، ورجولة، وغلظة، في مقابل تنعّم الإنسان الحداثي، الذي يحلق لحيته ويعطرها. إنها تأكيد على الانتماء والتشبث بالهوية والالتزام بالشريعة"...
وليس الالتزام هنا بالشريعة يعني بالضرورة مسألة الحدود وغيرها، بل أساسا التمسك بأخلاق الإسلام التي تجعل الوزير الإسلامي ينأى بنفسه عن تصريحات، من قبيل تلك التي تفوّه بها الداودي، في مجلس النواب يوم الاثنين 18 دجنبر 2018؛ حيث عوض أن يُطمئِن الناس حول موضوع غلاء أسعار الخضر، بشّرهم بتحلية ماء البحر، وكأن لسان حاله يقول: تلك هي الأسعار وذاك هو قانون العرض والطلب ومن رفض ذلك فليشرب ماء البحر!
تلك الأخلاق التي كان من المفترض أن تجعل رباح، في الجلسة البرلمانية ذاتها، يترحم على أرواح من ماتوا تحت الأرض وهم يبحثون عن النحاس، قبل أن يصفهم بـ"السرّيين"، أو تجعل اعمارة يتواضع ويكف عن معاملة الناس بتلك العجرفة التي سار بذكرها الركبان!
أعود إلى العلوي المدغري الذي كتب، كأنه ينظر الآن رأي العين إلى لحى وسحنات وزراء "البيجيدي" بعد ظهور التنعّم على وجوههم، حيث كتب "والواقع أن لحية الحكومة كلما كانت كثيفة طويلة وعريضة، كلما دلّت على عمق الالتزام. أما إذا تناولها الوزراء بالتشذيب، والتهذيب، وقص الأطراف، وحلق الجوانب، وتخفيف الكثافة، والاستعانة في ذلك بالحلاقين، فربما دل ذلك على التنعم والافتتان بجمال المظهر، والحرص على الظهور بمظهر التمدن والعصرنة، وهذا مدخل من "مداخل الشيطان"، ومن شأنه أن يبعث على الشك في صدقهم، والريبة في حسن التزامهم...".
والجميل في كتاب وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السابق أنه يفرّق بين حكومة الإسلاميين والحكومة الإسلامية، فالحكومة التي تتأسس أولا، بالنسبة إليه، هي "حكومة لها مظهر الإسلام وصورته أكثر مما لها من حقيقته"، ويضيف أن هذه الحكومة هي "حكومة الإسلاميين الذين يتهافتون على طلب الحكم حتى إذا أمسكوا به وجدوا أنفسهم عاجزين عن تطبيق الإسلام بحكم الظروف والملابسات والأوضاع التي تحيط بهم". أما الحكومة الإسلامية فهي لن تتأسس إلا بعد الأولى بعد عقود، حسب تقديره.
حبّذا لو اجتزأ وزراء العثماني بعض الوقت لقراءة كتاب الراحل عبد الكبير العلوي المدغري، لعل وعسى أن يستدركوا ما فاتهم....
05 janvier 2024 - 12:00
19 décembre 2023 - 12:00
18 novembre 2023 - 20:00
18 septembre 2023 - 20:00
19 juillet 2023 - 10:00
07 novembre 2024 - 12:00