موسى متروف
بعد الإخراج من "المشور السعيد" بطريقة، أقل ما يُقال عنها إنها تراجيدية، تليق بمشهد شكسبيري مأساوي، أو نزاري على الأقل، كأنّ قارئة الفنجان تقول له فيه، هو تحديدا في ما رأته عيانا وليس استبصارا، "وترجع كالملك المخلوع"، يخرج عبد الإله بنكيران من زعامة حزبه بطريقة "شورية" ديمقراطية لا تترك وراءها نقعا، وإن خلفت في قلب الرجل جرحا ينضاف إلى جراحه "البروميثيوسية"!
ولهذا تحديدا لن أنضم إلى جوقة الشامتين في الرجل، ولن أنكأ جراحه، وجراح "مريديه"، ويكفيه أنه لم يجد ما تطيب له نفسه، في الشهور الأخيرة، منذ الربيع، الذي لم يجد فيه غير "الخطاطيف" المنذرة بالشؤم، إلى الخريف، الذي لم ير فيه، ونحن معه جميعا، غيثا تستبشر معه النفس، قبل الأرض، فزاد كربة على غمة... لقد تلقى الطعنة تلو الأخرى، وكل مرة كان يردد، مع طعنة كل مقرّب منه إلى عهد قريب، الجملة الأسطورية المنسوبة إلى يوليوس قيصر لحظة تلقيه الطعنة الغادرة والقاضية من الذي كان في مقام ابنه: "حتى أنت يا بروتوس"!
ربما قال "إخوانه" إن سكرة السلطة أصابته بلوثة، وإذا تُرك لشأنه فلن تزول إلا بسكرة الموت! حكمٌ قاس في حق رجل عصيّ على التحليل النفسي، قبل أي تحليل آخر، لكنه أتى أكله في النهاية، بحكم الصناديق التي شطرت أعضاء "برلمان" حزب إسلاميي المؤسسات إلى شطرين ورجّحت كفة المناهضين لتعديل المادة 16 من النظام الأساسي لحزب "المصباح"، التي صارت نارا على علم، بفارق 25 صوتا، وحسمت في المستقبل السياسي للرجل الذي ملأ الدنيا وشغل الناس منذ أن انتزع من سعد الدين العثماني رئاسة الحزب في 2008، وها هو العثماني يستعد ليتسلّم منه الأمانة العامة بعد أن "نضجت" الظروف أو كادت، كما تسلّم منه رئاسة الحكومة! "وتلك الأيام نداولها بين الناس"...
ولأن مصائبه جاءت تباعا، ها هم من "صنعهم" صنعا، وهم وزراء حزبه الذين عارضوا بقاءه على رأس الحزب، يضمنون بقاءهم في قيادته، بعد أن تم، في الدورة الاستثنائية ذاتها للمجلس الوطني، رفض تعديل المادة 37 من النظام الأساسي التي تعطيهم عضوية الأمانة العامة بالصفة. كأن الصفعة لا تتم إلا إذا كانت مزدوجة وعلى الخدّين!
ومهما يكن من أمر، فقد دخل بنكيران التاريخ السياسي الحديث للمملكة، سواء أحببنا أم كرهنا، وساهم، انطلاقا من قناعاته وقناعات حزبه، خصوصا في بناء مرحلة ما بعد أول تعديل دستوري كبير في عهد الملك محمد السادس بعد المخاض الذي سبقها.
ويُحسب له أنه نجح في " بيع" السياسة للناس، وجعلهم يُقبلون عليها، سواء بفعل "شعبويته" أو مخاطبة الناس بلغتهم، أو بفعل التشويق الذي أضفاه على الصراع مع معارضيه! كما استطاع أن يعرّي بعض خصومه السياسيين الذين استقووا بآلة الدولة، في مفارقة لن تجدها إلا في هذا "البلد السعيد" ولن يفهمها إلا الراسخون في علم السياسة أو المتمرسون في مسالك صناعة القرار، حيث مُعارض الحكومة يزعم أنه حليف الدولة!
يُحسب لبنكيران أنه حرّك كثيرا من المياه الآسنة، ويُحسب لحزبه أنه ظل "ديمقراطيا" في صحراء حزبية قاحلة، وحسم خلافه بصناديق الاقتراع بعد مرافعات لكل أصحاب وجهات النظر المختلفة، فاستراح الجميع بالتخلص بما ضاقت به صدورهم. وقبل ذلك كان العثماني وبعده بنكيران قد ألقيا كلمتين أكدا فيها على مرجعية الحزب وأخلاقياته، وهو ما ساهم في بداية عودة الصفو إلى الأجواء بعد كدر أثقل على النفوس.
بعد أسبوعين، سيلتئم المؤتمر الوطني الثامن لـ"البيجيدي"، وبما أن بنكيران صرح اليوم بعد انتهاء أشغال الدورة الاستثنائية للمجلس الوطني أنه الآن "مرتاح أكثر"، وبأنه انتهى كأمين عام للحزب، كما انتهى كرئيس حكومة بعد إعفائه من طرف الملك، فيبدو أن الحزب الإسلامي سيمضي، أكثر يسرا، في طيّ صفحة زعيمه بكاريزميته التي لا جدال فيها. فهل ستكون الطريق سالكة للعثماني للعودة إلى زعامة حزبه، وهي الآن في "متناول" يده؟ وإذا تسنّى له ذلك، هل سيستطيع أن يخرج من جلباب سلفه في الحزب والحكومة؟
05 janvier 2024 - 12:00
19 décembre 2023 - 12:00
18 novembre 2023 - 20:00
18 septembre 2023 - 20:00
19 juillet 2023 - 10:00
07 novembre 2024 - 12:00