موسى متروف
ما حدث، بالأمس، بالدار البيضاء، وتحديدا قرب محطة أولاد زيان للمسافرين، يسائل المغاربة والمهاجرين القادمين من إفريقيا من جنوب الصحراء والدولة المغربية وسياستها حول الهجرة.
العاصمة الاقتصادية للمملكة الشريفة أصبحت قِبلةً، منذ مدة، وبكثافة، للمهاجرين القادمين من جنوب صحراء القارة السمراء، ولم يعد أغلبهم ينتظرون بها فرصة العبور إلى الضفة الشمالية من حوض البحر الأبيض المتوسط، بل يستقرون فيها، للدراسة والعمل وحتى للتسول والتشرد!
مساء أمس الجمعة، وعند انتقالي إلى مكان الأحداث، حيث اندلعت اشتباكات ومشاجرات وتقاذف بالحجارة وعلى مستوى طريق أولاد زيان، أحد كبرى شرايين المدينة، بين شبان مغاربة من الجوار والشبان الأفارقة الذين كانوا "يقطنون" في حديقة صغيرة، سمعت قصصا كثيرة عن تحرُّش هؤلاء المهاجرين بنساء وفتيات المنطقة، وعن تعاطيهم السرقة، فضلا عن إزعاجهم للمارة ومستعملي الطرقي، خصوصا من النساء، بالتسول، وفي كثير من الأحيان يكتسي هذا التسول طابع "الترهيب"، حسب حكايا "الشهود العيان"!
كل هذه القصص كان أصحابها يحكونها بكثير من الكراهية، وحتى "العنصرية"، في حق هؤلاء المهاجرين!
يبدو أن المبالغة والتهويل في تصوير سلوكات هؤلاء المهاجرين كانت سيدة الموقف، رغم أن مخلفات أحداث مساء أمس الجمعة كانت شاهدة على عنف مفرط، ربما من الجهتين، لكن من حسن الحظ أن قوات الأمن لم تتعامل بـ"تَناسبٍ" مع هذا العنف!
لن أبرر العنف، لأنه لا يُبّرر كيفما كانت أشكاله و"أسبابه" ونتائجه، فهو غير مقبول وكفى، والذي يُبرّره كمن يبرّر الإرهاب، وأنا أعتبر من يبرّر مثل هذه السلوكات شريكٌ فيها!
إذا افترضنا أن ما قيل بأنه سبب ما وقع وهو تحرّش واحد من المهاجرين بسيدة، فهل كان الحل هو "تأديبه" باستقدام "جوقة" من الشبان المغاربة، لتتواجه المجموعتان بالضرب وتقاذف الحجارة والتي توجه كثير منها نحو الدراجات والسيارات والشاحنات التي كانت تمر في الطرقين العامين اللذين يحدان الحديقة العمومية الصغيرة، التي التهمت النيران كل ما كان فيها من أفرشة وأغطية؟!
هذا ما تعارف عليه المغاربة تحت مُسمى "السيبة"، والتي تُناقض الأمن والطمأنينة اللذيين يضمنهما "المخزن"، أو، بلغة العصر، السلطات والقوات العمومية.
إننا أمام تمفصُلٍ بين الحقوق والواجبات، فكلُّ مواطن وكل مقيم في هذه البلاد وكل من يضع أقدامه عليها، سائحا أو مهاجرا نظاميا أو سريا، من حقه أن يُكرّم كإنسان أولا وقبل كل شيء، فضلا عن التمتع بكل الحقوق التي تضمنها له القوانين المغربية والمواثيق الدولية، لكنه، في المقابل، ملزمٌ باحترام هذه القوانين والواجبات التي تفرضها عليه!
إنها معادلة كثيرا ما ينساها المغاربة وغير المغاربة على هذه "الأرض السعيدة"، فالناس يذكرون الحقوق وغالبا ما ينسون أن عليهم واجبات. وهي معادلة صعبة على الذين لا يريدون تحمّل المسؤولية التي تحدّ الحرية، كما هو معلوم!
إن تنامي انتشار لغة الكراهية والعنصرية ليس مقبولا ويجب معالجته في إطار مؤسسات التنشئة الاجتماعية (الأسرة والمدرسة أساسا) والإعلام، وخصوصا منه الإعلام السمعي البصري العمومي، الملزم كمرفق عمومي، بمواكبة التحولات التي تخترق المجتمع المغربي.
ومن جهة ثانية، ليس من حق أيّ مهاجر أن يستفز أهل البلاد بتجاهل قوانين هذه الأخيرة وعاداتها ونمط عيشها، بل الأحسن و"الأسلم" أن يعمل على الاندماج فيها، كما يفعل ذلك كثير من المهاجرين المندمجين في الأحياء الشعبية والمتوسطة والراقية في هذه المدينة المختلطة، التي ألفت، كما هو دَيدنُها، أن تحتضن الجميع بقلب كبير ومنذ عقود!
من أجل كل ما سبق، ليس على الدولة فقط أن تكتفي بتجميع هؤلاء المهاجرين الأفارقة في فضاء واحد، من قبيل الملعب القريب من محطة أولاد زيان للمسافرين، وليس عليها أن تعالج الأمر بشكل أمني "مُستدام"، بل عليها أن تراجع، عند الاقتضاء، الطريقة التي تتعامل بها مع الأمر على المستوى العملي.
وهنا أوضّح أنني لا أقصد المراجعة الجذرية لسياسة الهجرة التي انتهجتها البلاد والتي أتت أُكلها من حيث الإشعاع الدولي والقارّي للمملكة، وهو من صميم دين وأخلاق هذه البلاد، في تناقض تام مع المعاملة المسيئة والمهينة والمشينة للمهاجرين في بلدان الجوار كالجزائر وليبيا التي أعادتنا إلى زمن أسواق النخاسة!
إنما أعني أنه لا يجب، عمليا وعلى الأرض، ترك الحبل على الغارب، لأنه لا يمكن للدولة أن تتخلّى عن دورها في التنظيم وحفظ الأمن والصحة والسكينة، وهي المكونات الثلاث للنظام العام، بما يكفل حقوق الجميع...
05 janvier 2024 - 12:00
19 décembre 2023 - 12:00
18 novembre 2023 - 20:00
18 septembre 2023 - 20:00
19 juillet 2023 - 10:00
07 novembre 2024 - 12:00