موسى متروف
لله درّ الإمام محمد بن إسماعيل الشافعي، الذي كان، لمن لا يعرف عنه غير كونه إمام مذهب فقهي، ينسج القوافي من معادنها، فنظم: وعينُ الرّضا عن كلّ عيب كليلةٌ// ولكن عينَ السخط تُبدي المساويا... وهذا ما وقع لفقيه حركة التوحيد والإصلاح ورئيسها السابق أحمد الريسوني، الذي اشتُقّ اسمه العائلي/نسبه من اسم "ريسون"، الشريفة العَلمية الشفشاونية، التي لم يكن حفيدها غير الشيخ سيدي امحمد بن علي بن ريسون، الولي الصالح الذي كان أحد أبطال معركة وادي المخازن والذي يُعدّ الجد الجامع للأشراف الريسونيين!
لكن ماذا وقع للفقيه أحمد الريسوني فانطبق عليه شعر الإمام الشافعي؟ الرجل سبق له أن أشاد بعبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية (الذراع السياسي لحركة التوحيد والإصلاح)، عندما كان رئيسا للحكومة، وعندما كان ينظر إليه بـ"عين الرضا" إلى حد ما (لأن العلاقة بين الرجلين لم تكن دائما سمناً على عسل، خصوصا عندما خاض في "إمارة المؤمنين" وجرّ عليه غضب "أصحاب الحال" ولم يجد أدنى سندٍ من بنكيران، فسبحان مغيّر الأحوال من حال إلى حال)، فكانت النتيجة أن تلك العين كانت كليلةً عن "كلّ" عيوب بنكيران!
ومرت الأيام والشهور والسنوات، وعاد الريسوني، الفقيه "المقاصدي"، لينظر إلى بنكيران بـ"عين السّخط"، فما كان لهذه الأخيرة إلا أن "تُبدي المساويا" الكثيرة لبنكيران ودون أن يسمّيه، لكن الهدف كان واضحا وضوح الشمس في كبد السماء!
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، بل نسج امحمد الهلالي، نائب رئيس الحركة، على منوال الفقيه وزاد "حَبّة" وأشار، دون مواربة، بالبنان إلى بنكيران، ورفض مبدأ "الولاية الثالثة" على رأس الحزب الإسلامي.
يا سادة، الحركة تريد أن تكون "ضمير" الحزب، ولا تريده أن "يشبّ عن الطوق"، أو أن يتجاوز تمثّلا في ذهن أعضائه غير كونه مجرد "ذراع" سياسي، وهنا يسعفنا، مرة أخرى، الإمام الشافعي الذي قال ضمن نفس أبياته الجميلة: فإن تدنُ مني، تدنُ منكَ مودتي// وإن تنأ عني، تلقني عنكَ نائيا...
على الذين يريدون أن "يعتصموا" في جبّة بنكيران، والذين لا يرون له خلفا، كأن الله الذي خلقه لم يخلق غيره، مع الاحترام الكامل لزعامته، التي يبدو أنها استنفذت زمنها "السياسي"، وعليهم أن يعوا ما يحيط بهم، وأن ينظروا إلى أبعد من أنوفهم.
فالحركة، الداعمة للحزب، تضغط لكي لا يتم "التمديد" لبنكيران، والأعراف الديمقراطية لها أكبر سند، والحكومة يرأسها رجلُ آخر غير "الزعيم"، وليس أي رجل، فهو سعد الدين العثماني، الرجل الثاني في الحزب الذي كان أيضا أمينا عاما له! فما عساه يفعل لهم بنكيران إذا ما ظل قابضا على زعامة الحزب كالقابض على الجمر، غير فقدان الثقة مع القصر والدولة وإرباك حكومة العثماني، المرتبكة أصلا؟!
لقد انتهى زمن بنكيران (على رأس الحزب على الأقل)، أيها البنكيرانيون، وانتهى الزمن الذي كان فيه بنكيران، كما وقع في المؤتمر الأخير للحركة، الآمر الناهي في "الجماعة"، ويضغط لتنصيب رجاله على رأسها! والمشكلة أنكم تكرّسون هذا "التمفصل" بين الحزب والحركة، وها أنتم ترون أولى نتائجه التي ليست في صالحكم ولا في صالح حزبكم.
عودوا إلى رشدكم، يا مَن تسعون إلى إعادة إنتاج علاقة "الشيخ والمريد"، التي أكل عليها الدهر وشرب، في حزب يُفترض أنه "عصري" ويُفترض أن يبقى مؤسسة تعلو على الأشخاص، مهما كان وزنهم، وأن يحافظ على "ديمقراطيته" الداخلية، التي تبقى، على كل حال وإلى الآن، أحسن من غيرها في الأحزاب المغربية التي تصف نفسها، عبثا، بـ"الديمقراطية".
05 janvier 2024 - 12:00
19 décembre 2023 - 12:00
18 novembre 2023 - 20:00
18 septembre 2023 - 20:00
19 juillet 2023 - 10:00
07 novembre 2024 - 12:00