كوثر بنتاج
من ينكر أول إعجاب له بفتاة كان في مقتبل عمره، ومن تستطيع أن تنكر من وضعته على جواد قلبها في مرحلة تفتح أزهار ربيعها. من ينكر أنه سرق قُبلة ولو خاطفة في لحظة عشق خاطفة، أو على الأقل سعى إليها أو تمناها بشدة... لا أظن أن أحدا ضغط على مشاعره وتغلب على رغباته الجنسية في مرحلة المراهقة. في مرحلة الانتقال تلك بين الطفولة والشعور بالذات والجسد...
أن ننكر أفعالا كنا بالأمس القريب نرتجف لممارستها أو سعينا لها، ونذكرها اليوم بكل اعتزاز كمغامرة شيقة، أو ربما نُرجع لها الفضل في اكتشاف ذواتنا، أن ننكر كل ذلك، هو حالة فصام فينا، خاصة عندما نُعقب على واقعة قبلة بين مراهقين، وخصوصا عندما نتوجه إلى الجنس الألطف والطرف "الأضعف" في العلاقة بـ" كون كنتي بنتي كون قتلتك".
بالفعل، قتل المجتمع اليوم تلميذة، لا تتعدى 16 ربيعا، تبادلت قبلة مع زميلها في الدراسة، حتى وإن كان ذلك وسط حجرة الدرس. تم القضاء نفسيا على فتاة مكناس، عندما طردتها الثانوية بصفة نهائية من الدراسة، وتضاعف القتل الرمزي لها بتعليقات داعشية، وبتشفّي صديقاتها، بصدمة والديها، بتخصيصها بالعقوبة دون "شريكها" في القبلة، وإن كان الطرد مرفوض لكليهما.
كلنا نرغب في الحب، الذي نحن في أشد الحاجة إليه، في وقت أصبحنا غير قادرين حتى عن حب أنفسنا، وبالأحرى حبنا للآخر. كلنا ينمو داخله شيء جميل، ربما هي قبلة عابرة، لكنها رسالة تطفو بإحساس دفين من دواخلنا. ينبض مع خوالج قلوبنا وينتظر أن يخرج للعلن في كل غفلة من الزمن والناس.
أن تطرد تلميذة من الدراسة بسبب قبلة، أمر غير مقبول، أن ينزل عليها الطرد كالصاعقة، ويستثنى منه شريكها، تمييز سلبي، في الوقت الذي لا حديث فيه إلا عن التمييز الإيجابي لصالح المرأة والفتاة، في إطار مقاربة النوع الاجتماعي التي لا بديل عنها لتحرير نصف المجتمع اليوم وغدا.
لقد وجب التنديد بما وقع، والواقعة بكل تفاصيلها تشير إلا أن من اتخذ القرار المشؤوم إنسان مريض نفسيا، لابد له من علاج لدى الدكتور "هاوس"، بما يختزل في شخصيته الدرامية من تجارب 40 طبيبا!
طرد التلميذة ليس حلا، والقرار يبرز إلى أي مدى تجهل الأستاذة ومعها المدير، يا حسرة، الطرق البيداغوجية لمعالجة أمر أعتبره عاديا في حياة الإنسان، ويكشف أن ذلك كان رد فعل مزاجي وربما بدون تفكير، مادام لم يأخذ بعين الاعتبار مستقبل التلميذة في مجتمع لا يرحم.
ألم يكن بمقدور الأستاذة أن تنبه التلميذين إلى أن القبل "ممنوعة في القسم" وإن كان مسموح بها في الحياة، ألم يكن بمقدورها أن "تنتهز" الفرصة وتحول الواقعة إلى درس في "التربية الجنسية" المفقودة في المناهج والغائبة عن عقول معدّيها.
كان بمقدور الأستاذة والمدير أن يتذكرا جزءً من ذكرياتهم الطفولية، لينظرا بعقلانية يلامسها حنين وتفهّم للحالة "المعروضة" أمامهما، ماداما قد نصّبا نفسيهما قاضيين في محكمة رمزية، أحكامهما واقعية وآثارها خطيرة. ألم يكن بإمكانهما اتخاذ قرار أكثر رأفة من تدمير ذكرى قبلة لدى طفلة، ربما كانت ستحكيها في مستقبل أيامها، بكل فخر، في "سهرة البيجاما" الخاصة بالبنات؟
ألم تجد الأستاذة والمدير في مذكرة وزارة التربية الوطنية، المتعلقة بالقرارات التأديبية، غير الطرد، وسط جملة من القرارات التأديبية البديلة؟ ربما لم يطلع أعضاء اللجنة التأديبية على المذكرة حتى آخر صفحة فيها، والتي توصي بتعويض الإقصاء من الدراسة بإخضاع المخالف خارج أوقاف دراسته لعقوبات بديلة، كالخدمات ذات النفع العام، تنظيف ساحة ومرافق المؤسسة، أو إنجاز أشغال البستنة، أو القيام بأشغال داخل المكتبة المدرسية كالتنظيف أو ترتيب الكتب أو تقديم خدمات للمطاعم المدرسية وغيرها...
تصوروا أن المذكرة تنص على أنه "بطبيعة الحال القرارات التأديبية يجب أن تحفظ كرامة واعتبار المعاقب، وألا تعرضه لأي تجريح أو تحقير، أو تمس بسلامته"، ليأتي هؤلاء بعكس روحها!
وبناءً على هذه المذكرة بالذات، أقول لصاحب قرار الطرد، إنك لم تلتزم بما جاء فيها، وأكثر من ذلك، لقد تسببت للتلميذة في عقدة نفسية، ستلاحقها طيلة حياتها. تسببت لها في العار، والعار، كل العار، عليك!
قرار طرد التلميذة بسبب قبلة، وإن تم التراجع عنه، يبقى إهانة للحب، ودعما لا مباشرا للكراهية، في زمن يرتفع فيه خطاب الكراهية، والمعوّل فيه على أسرة التعليم، يا حسرة مرة أخرى، لتنشئة الأجيال واجتثاث هذا الفكر من رؤوسهم وقلوبهم!
القرار يؤجج العقد النفسية في دواخل المراهق، ويشجع الهدر المدرسي، وما يليه من مشاكل، ويسفّه كل جهود الدولة في هذا المجال.
05 janvier 2024 - 12:00
19 décembre 2023 - 12:00
18 novembre 2023 - 20:00
18 septembre 2023 - 20:00
19 juillet 2023 - 10:00
07 novembre 2024 - 12:00