موسى متروف
الساعة تقترب من السادسة مساء، يوم الجمعة 13 أكتوبر 2017، البرلمانيون وأعضاء الحكومة في القاعة الكبرى لمجلس النواب. يدخل الملك محمد السادس مرفوقا بولي عهده مولاي الحسن وشقيقه مولاي رشيد ويجلس في المنصة، الحبيب المالكي، رئيس الغرفة الأولى للبرلمان، يتأخر قليلا في الجلوس بمقعده... يشير الملك إلى المقرئ بالشروع في تلاوة ما تيّسر من الذكر الحكيم، ويبدأ المقرئ بصوته المجلجل في قراءة آيات بيّنات من سورة الأنفال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم "إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَآءَكُمُ الْفَتْحُ. وَإِن تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ. وَإِن تَعُودُوا نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُومِنِينَ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ. وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ. إِنَّ شَرَّ الدَّوَآبِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ. وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَّأَسْمَعَهُم. وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُون...". لو قُدّر لي أن أكون قرب هؤلاء المستمعين الخاشعين، بدل أن أكون "مُحتجَزاً" مع الصحافيين في إحدى القاعات الجانبية لمجلس المستشارين، لرأيت بأم عينيّ كيف "زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر"!
نواب الأمة وأعضاء الحكومة، خصوصا مَن انبثقوا منهم من الأغلبية البرلمانية، يعلمون أنهم سيسمعون، بعد كلام الله، من فم الملك، كلاما لن يبتعد كثيرا عن ما قاله في خطاب العرش، ولا شك أن ما سمعوه من القرآن الكريم اعتبروه مقصودا، لأنهم يعلمون، علم اليقين، أنهم في تلك اللحظة، يوجدون في قلب حقل سيميائي بامتياز، فالرموز هي السلاح الدائم للقصر، ثم لكثرة إصرار الملك على القيام بالواجب، لكن "لا حياة لمن تنادي"!
وتبددت الغيوم، بعد قليل، في سماء فكر من كانوا يعتقدون بعدم قصدية اختيار تلك الآيات بالذات، أو فقط لأنها تبدأ بآية يفرضها المقام وهي قوله عزّ وجلّ "إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَآءَكُمُ الْفَتْحُ"، كأن أصحاب الشأن لا يعلمون بوجود آيات أخرى، تبدأ بقوله عزو جل "إنّا فتحنا لك فتحا مبينا" (سورة الفتح)، وهي آيات مألوفةٌ تلاوتها في مستهل الأنشطة الرسمية!
فقد نزلت كلمات الملك، كالصاعقة، قوية على رؤوس "المتفائلين" (بعدم قصدية اختيار الآيات المذكورة)؛ فبعد مقدمة قصيرة، قال "وتأتي هذه الدورة بعد خطاب العرش، الذي وقفنا فيه على الصعوبات، التي تواجه تطور النموذج التنموي، وعلى الاختلالات، سواء في ما يخص الإدارة، بكل مستوياتها، أو في ما يتعلق بالمجالس المنتخبة والجماعات الترابية. إلا أن إجراء هذه الوقفة النقدية، التي يقتضيها الوضع، ليس غاية في حد ذاته، ولا نهاية هذا المسار. وإنما هو بداية مرحلة حاسمة، تقوم على ربط المسؤولية بالمحاسبة، والعمل على إيجاد الأجوبة والحلول الملائمة، للإشكالات والقضايا الملحة للمواطنين". ثم قال بعد بضع جُمل، وبلغة حازمة "وبصفتنا الضامن لدولة القانون، والساهر على احترامه، وأول من يطبّقه، فإننا لم نتردد يوما، في محاسبة كل من ثبت في حقه أي تقصير، في القيام بمسؤوليته المهنية أو الوطنية. ولكن الوضع اليوم، أصبح يفرض المزيد من الصرامة، للقطع مع التهاون والتلاعب بمصالح المواطنين".
كانت كلمات الملك مختارةً بعناية، وحازمة بما يكفي، ليفهم المعنيون بكلامه، أنهم يجب أن يتحسّسوا رؤوسهم ويفهموا أن "المشاكل معروفة، والأولويات واضحة، ولا نحتاج إلى المزيد من التشخيصات. بل هناك تضخُّم في هذا المجال"، كما قال الملك محمد السادس، ولذلك عليهم أن يفهموا أنه اقترب يوم الحساب، وليربطوا بين ما قرأه المقرئ من ذكر حكيم، وما خاطبهم به أمير المؤمنين، خصوصا حينما قال لهم، وبصريح العبارة، بأنهم "مسؤولون أمام الله، وأمام الشعب وأمام الملك عن الوضع الذي تعرفه البلاد"، بعد أن أنذرهم بـ"زلزال سياسي"، إذا اقتضى الأمر ذلك!
05 janvier 2024 - 12:00
19 décembre 2023 - 12:00
18 novembre 2023 - 20:00
18 septembre 2023 - 20:00
19 juillet 2023 - 10:00
07 novembre 2024 - 12:00