موسى متروف
"شباط" هو الشهر الثاني الميلادي في اللغة الأرامية (لغة عيسى بن مريم عليه السلام)، وهو اسم ضمن أسماء الشهور التي دخلت اللغة العربية عبر اللغة السريانية... لكن مالَنا ومالِ هذه الشهور التي لا نستعملها في المغرب، وخصوصا أن "شباط" هذا نسميه هنا "فبراير"، أو بالأحرى "يبراير"، حسب التقويم الأمازيغي، أو الفلاحي، حسب عرب البادية المغربية؟
فقط لأن شباط اسم عائلي لشخص اسمه "حميد" أو "عبد الحميد" أصبح، فجأة، زعيم نقابة الاستقلاليين، قبل أن يصير زعيمهم جميعا، بنقابييهم وسياسييهم، بمراكشييهم وفاسييهم، قبل أن ينتفض عليه صحراويّوهم ويسقطوه سقطة مدوية!
ولكن بعد أن سحقه نزار بركة في عملية انتخاب الأمين العام لحزب "الميزان"، تزامنا مع سحق "الأسود" لـ"فهود" الغابون، صدق عليه المثل الشامي "راح شباط الخبّاط ما أخد مني لا عنزة ولا رباط"!
طبعا إخواننا في المشرق يقصدون "فبراير"، ونحن يمكن أن نتخيل المثل حديثا افتراضيا موجّها من الأمين العام الحالي المنتشي بنصره، نزار بركة، إلى الأمين العام السابق الذي مازال يتجرّع مرارة نكسته، بعد هزيمته الأولى من طرف النعم ميارة، الذي "خطف" منه النقابة قبل أن يرتدّ إليه طرفه!
وأنا هنا لا أطلق النار على سيارة إسعاف، كما يقول الفرنسيون، ولكن لأن الرجل أقام الدنيا ولم يُقعدها، وعندما سألتُه يوم السبت الماضي، في منتصف النهار بـ"خيمة" الصحافيين (نحن في الزمن الصحراوي) بمدخل القاعة المغطاة لمجمع الأمير مولاي عبد الله بالرباط، حول ما سيكون عليه موقفه إذا هزمه منافسه على زعامة الحزب، قال متهكّما "إيوا فااااال عندك!"، كأننا كنّا بصدد "اضريب الفال"، في الوقت الذي كان رجل الصحراء القوي، مولاي حمدي ولد الرشيد، يسوّي صفوف أنصاره للانقضاض على زعامة الحزب وقيادته. وحتى هذه الأخيرة لم يترك فيها لشباط نصيبا، حتى لنفسه، ليبقى على اطلاع على ما سيجري في الحزب، خلال "دفن ماضيه" القريب، وطيّ صفحته إلى غير رجعة!
وإذا عدنا إلى الأمثال الشامية، حول "شباط" الشهر، نجدها تقول أيضا "شباط لطيف ودمّو خفيف"، وهو ما لا ينطبق على شباط "المخلوع"، سوى إذا اعتبرنا بعض كلامه مسليّا، وهو ما سنفتقده، خصوصا إذا امتنع بركة عن الكلام المباح... لكن ما ينطبق على كلام شباط كان، في الحقيقة، هذا المثل الشامي الآخر الذي يقول "كلامو مثل شباط ما عليه رباط"...
وكلام شباط لم يكن "عليه رباط" فعلا، خصوصا رباط العقل، الذي يعقل صاحبه كالعقال، ولا أقصد ما جاء في المثل الشامي الآخر الذي يقول "راح العاقل كانون وإجا شباط المجنون"، (أي ذهب يناير العاقل وحلّ محلّه فبراير المجنون)، لكن يناير هو الشهر الأول، وفبراير هو الثاني، و"شباطنا" لم يكتف بأن يبقى ثانيا، كما الشهر الميلادي الذي نحن بصدده، بعد أن استوى له أمر النقابة، فأراد أن يكون أولا لا رادّ لكلمته، وفعلا صال وجال وأتى على الأخضر واليابس، وهنا يسعفنا مثلٌ شامي شباطي آخر يقول "بين شباط وآذار بتفضى الجرار"، (بين شباط ومارس تنقضي المؤونة بالجِرار) وعند الاستمرار في القيام بلعبة العملية الموازية، نجد أنه فعلا بين فترة شباط و"مارس"، "إله الحرب" الذي يجسّد دوره بركة في المسلسل الذي انطلق من نهاية الأسبوع المنصرم، أصبح بيت المال الاستقلالي صفرا، ولولا أموال الحاج مولاي حمدي ولد الرشيد أولا، ثم أموال الحاج علي قيوح ثانيا، لما وجد حزب "الميزان" في جراره ما ينظم به مؤتمره السابع عشر، في شوطيه، والذي انتهى بهزيمة نكراء لشباط وأنصاره في الأشواط الإضافية للمباراة.
ولأن المصائب لا تأتي فرادى، فقد بعث الملك محمد السادس برقية تهنئة إلى الأمين العام الجديد، لم تتم الإشارة إلى الأمين العام الذي سبقه، كما جرت العادة بذلك. فقد أشاد الملك بعد تهنئة شباط، بزعامة حزب علال الفاسي قبل خمس سنوات، بالأمين العام الذي سبقه وهو عباس الفاسي، "الذي قاد الحزب بروح عالية من المسؤولية والنضال الجاد ليواصل مساره المتميز على درب التداول وتجديد النخب القيادية". وهو شرف لم يحظ به شباط الذي وصف منافسه بمرشح المخزن والداخلية والأجهزة وهلم جرّا، وعليه أن يتحمل مسؤولية ما وقع له الآن، ولا يشير لأحد بالبنان!
05 janvier 2024 - 12:00
19 décembre 2023 - 12:00
18 novembre 2023 - 20:00
18 septembre 2023 - 20:00
19 juillet 2023 - 10:00
07 novembre 2024 - 12:00