موسى متروف
كتب المفكر السعودي الرّاحل عبد الله القصيمي كتابا تحت عنوان "العرب ظاهرة صوتية"، استهلّه بفصل تحت عنوان "الشمس بصمت.. أم القمر بصراخ؟"، كتب في بدايته "إن العربي ليرفض الصعود إلى الشمس ممتلكا لها إن كان ذلك بصمت، ليختار التحدث بصراخ ومباهاة عن صعوده إلى القمر وامتلاكه له، أي بلا صعود ولا امتلاك.
إن العرب ليظلون يتحدثون بضجيج وادعاء عن أمجادهم وانتصاراتهم الخطابية حتى ليذهبون يحسبون أن ما قالوه قد فعلوه، وأنه لم يبق شيء عظيم أو جيد لم يفعلوه لكي يفعلوه..".
العرب، أو من يدور في فلكهم من أمازيغ أو غيرهم، في هذا العالم "العربي" الممتد يحبون الخطباء المتحمّسين، الذين لا ينفذ مَعين كلماتهم، ويهرعون إلى أول "ميكروفون" ليخاطبوا الجماهير بما يدغدغ مشاعرهم ويؤجج عواطفهم، وأساسا، لا يخاطب عقولهم، كما وقع، تماما، على امتداد تاريخهم!
هذا حالنا، وفي المغرب لا نشذ عن القاعدة، نحب الخطباء الذين يتطاير الرذاذ من أفواههم، ويوقّعون بضربات تضبط إيقاع كلماتهم على منابرهم أو المنصات المنتصبة أمامهم.
من منا لا يذكر الخطب العصماء لفتح الله ولعلو عندما كان رئيسا لفريق الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بمجلس النواب، وهو في المعارضة؟ وكذا خطب المصطفى الرميد وهو في الموقع المُعارض ذاته عن حزب العدالة والتنمية، حيث زاد على خطاب الاتحاد بتوابل الخطاب الإسلامي؟ وصولا إلى عبد الإله بنكيران وهو رئيس للحكومة، هذه المّرة!
صال بنكيران وجال و"تبورد" على "معارضة" ضعيفة، هجينة، فقدت البوصلة، فهوى على أم رأسها بعصا تواصله المتواصل المحموم، كـ"ظاهرة صوتية"، فوقف حمارها في العقبة! أما هو فاستمر في رحلة الصعود إلى "القمر بصراخ" مقتحما العقبة تلو العقبة، حتى وصل إلى آخر عقبة كأداء عادت به من المشور السعيد إلى بيته مطأطأ الرأس، لا يعرف ما يقدم أو يؤخر، ليتبيّن أن الأمر تمّ "بلا صعود ولا امتلاك"، كما قال القصيمي!
"وجاء من أقصى المدينة رجلٌ يسعى"، اسمه سعد الدين العثماني، كان أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية قبل بنكيران، لكن هذا الأخير اختطف منه الولاية الثانية، قبل أن يصبح رئيسا الحكومة، ثم شاءت الأقدار أن "يختطف" العثماني رئاسة الحكومة من بنكيران، وربما أراد، لو استطاع، أن "يختطف" منه الولاية الثالثة على رأس الحزب!
رئيس الحكومة "الجديد" فضّل "الصعود إلى الشمس" بصمت، هو الذي وجد نفسه "مُكرهاً لا بطل"، في موقع المقارنة مع سلفه على رأس الحكومة، فنودي عليه من مواقع التواصل الاجتماعي بوسم (هاشتاگ) "هْضر أصاحبي"!
وعندما نتحدث في هذا المقام عن "الشمس" و"القمر"، فليس إلا إحالة إلى ما تقدم من حديث للقصيمي، ولأن الكلمتين تملآن علينا وجداننا ومخيالنا، حتى في تعريف الكلمات نتحدث عن "ال" الشمسية و"ال" القمرية، كما تعلمنا منذ السنوات الأولى في دروس الإملاء، فضلا عن كوننا نتراوح بين التقويم الشمسي والقمري (ونحن بالمناسبة نحتفل اليوم برأس السنة الهجرية/القمرية) وهلم جرّا... لذا استعمالهما جاء مجازا وتجاوزا لأن شؤون الحكم شيء آخر، خصوصا في بلدننا الآمن هذا، حيث سلطة الحكومة محدودة، بمقتضيات الدستور، لصالح الفاعل الأكبر وهو الملك...
إذن، العثماني وجد نفسه مُطالَبا بـ"الصراخ"، هو الذي ما ألف ذلك، مسارا وتكوينا، ولا يمكنه أن يظل في "جلباب" بنكيران، ولن يستطيع. فله أسلوبه، الأقرب إلى التعامل بعقلانية مع الأمور، واختيار الكلمات بعناية قبل الرمي بها على أسماع مخاطبيه!
لقد أجرى العثماني استجوابات صحافية، خصوصا في الفترة الأخيرة بمناسبة تقديم "حصيلة" الأشهر الأولى لحكومته. هل أقنع الرأي العام أم لم يقنعه؟
يبدو أنه لم يُقنع المغاربة بما فيه الكفاية، لذلك فهو مدعو، ليس إلى الصراخ، ولا إلى الارتماء بالأحضاء في اتجاه أي "ميكروفون"، لكن إلى الحديث المباشر المفصّل، على طريقته الهادئة، دون لغة خشب، بكثير من الجرأة، التي تعطي، بالضرورة، الانطباع بالمصداقية وهذا هو الأهم في العملية التواصلية.
05 janvier 2024 - 12:00
19 décembre 2023 - 12:00
18 novembre 2023 - 20:00
18 septembre 2023 - 20:00
19 juillet 2023 - 10:00
07 novembre 2024 - 12:00