عزيز بوستة
أَزف الدخول في كل القطاعات، بعد أن تراكمت الملفات، هنا وهناك، وفي كل مكان، والناس في قاعة الانتظار لا يعرفون من سيدق أبوابهم ليجلو عنهم غشاوة الغموض الذي يثيره الصمت من حولهم، في ظروف صعبة، حتى لا نقول أكثر.. فهل "لا حياة لمن تنادي"، أم هو صمتٌ من ذاك الذي يصفه علماء النفس بـ"قمة الانفعال"؟
لقد تشكلت حكومة سعد الدين العثماني في الظروف التي نعرفها، والحوار الاجتماعي ينتظر صفّارة الانطلاقة، والدخول المدرسي نعيش أجواءه منذ أيام، ومشروع قانون مالية 2018 في طور الإعداد، وكرة القدم الوطنية تمر من فترة حسّاسة، والآلة الدبلوماسية تعمل بدون توقف، وفي الحسيمة، بعد أن هدأت الأوضاع يقينا، ما زال التوتر سيد الموقف... وخطاب العرش رفع السقف عاليا جدا، وبدت الأزمة واضحة المعالم، لكن لا تواصل واكب كل هذه الملفات.
الكلّ ينتظر أن يظهر من يحدثنا عن ما يجري. لكن لا أحد من قادتنا يجرؤ على تكسير جدار الصمت ومواجهة ميكروفون، أو الوقوف أمام كاميرا، عينا بعين، أو أمام صحافي سلاحه قلمٌ، أو بالأحرى لوحة مفاتيح من زمن "الحداثة". زمنٌ مطبوع بالتواصل، لكن المثير أن مسؤولينا يتمادون في صمتهم في الوقت الذي أصبح معلوما بالضرورة أن من لا يتواصل فهو المخطئ وفضلا عن ذلك، يضع نفسه في موقع من تتجاوزه الأحداث، رغم أن رئيس الدولة تبنى لغة أكثر وضوحا وبكلمات صارمة، في أغلب الأحيان، بدل الخطابات الجوفاء.
وعندما يتحدث وزراؤنا فهم يسيرون، وغالبا في البرلمان، على خُطى من ابتدعوا لغة الخشب، أو يفوّضون هذه المهمة الصعبة للمكلفين بالاتصال، الذين لا يَرْقبون الأوضاع دائما، لكنهم مُراقَبون على الدوام.
مقابل هذا الصمت الصارخ، الناس يعبّرون عن أنفسهم، وكل نذير يدق الأجراس ويكشف الملفات، والرأي العام يتأجج حماسه، على غير هُدى، بين الإشاعة والخبر اليقين، وبين الأحداث الحقيقية والقيل والقال. ولا يمكن أن يعطي كل ذلك إلا انطباعا مؤسفا بالارتجال، أو على الأقل عدم الثقة لدى أهل الشأن في ما يفعلون، أو في أسوأ الحالات عدم الاحترام للمواطنين.
كيف يمكن، في مثل هذه الظروف، تعبئة الساكنة حول هذا الموضوع أو ذاك، والمسؤولون الأساسيون لا يكلفون أنفسهم "عناء" التواصل والشرح والتفكيك؟ أما المواضيع الشائكة، عناوين الأزمة، فهي راقدة في انتظار، أو على "أمل"، أن تمر بسلام وبلا كلام.
المغرب من البلدان القليلة التي لا توجد فيها (أو تكاد) وظيفة الناطق الرسمي، بل الأمر لا يتعدى في أحسن الأحوال مكلَّفين بالاتصال (وليس التواصل على وزن التفاعل)، في حين أن الناطق هو لسان مسؤوله، أي هو المُعبّر عن رؤية هذا الأخير، لذلك يُفترض أن يكون قريبا منه، ومشاركا في اتخاذ القرار، حتى يكون مؤهلا لتفسيره، وبالتالي لـ"الترويج" له.
لقد آن الأوان أن يتكلم عبد الوافي لفتيت عن داخل وزارته، وأن يكفّ ناصر بوريطة عن اعتبارنا خارج الشؤون التي يُديرها، وأن يطلق عزيز أخنوش خضرة إشارة الانطلاق في تأسيس مغرب تواصلي، وأن يعتبر سعد الدين العثماني نفسه رئيس ألسن الحكومة والإدارة وينظّم ندوات صحافية أكثر ويقلل من مخاطبة نفسه أمام الصحافة...
في انتظار كل ذلك، عسى الناطق الرسمي باسم الحكومة أن يقول أخيرا شيئا ذا بال، وأن يقترح الناطق باسم القصر شيئا آخر غير قراءة البلاغات التي يمكن أن نقرأها بأنفسنا عبر وكالة الأنباء الرسمية جدا.
05 janvier 2024 - 12:00
19 décembre 2023 - 12:00
18 novembre 2023 - 20:00
18 septembre 2023 - 20:00
19 juillet 2023 - 10:00
07 novembre 2024 - 12:00