مصطفى أزوكاح
عندما سئل، البرازيلي جوهافلانج، الذي تولي أمر الاتحاد الدولي لكرة القدم في 1974، عما يعجبه في كرة القدم، أهو المجد أم الجمال أم الفوز أم الشعر، كان جوابه حاسما: الانضباط.
يذهب الكاتب الأوروغواياني، إدواردو غاليانو، إلى أن هذا العجوز العارف بأسرار عالم المال وتجارة الأسلحة والتأمين على الحياة ، أراد تحويل كرة القدم إلي تجارة، يعامل فيها اللاعبون كما لو كانوا "مجرد آلات تباع وتشترى وتعار".
لقد تحول معه اللعب وخلفه جوزيف بلاتير الذي خرج من الفيفا عقب فضائح الفساد، التي أسقطت الكثير من الرؤوس، إلى نوع من " الاستعراض"، حيث أرادت التكنوقراطية الرياضية الاحترافية، كما يسميها غاليانو، تدجين الخيال، إلا ماكان من مواهب متمردة تعيد المستديرة إلى جذورها مثل مارادونا وبادجيو ورونالدينهو..
ومع هافلانج وبلاتر أضحى التلفزيون، هو صاحب القرار، كما يقول غوليانو. فعندما احتح النجمان الأرجنينيان، فالدانو ومارادونا بسبب برمجة مباريات مونديال 1986 في منتصف النهار إكراما للتلفزيون الأوروبي، رد جوفافلانج بشكل فض: ليلعبوا وليطبقوا أفواههم.
لقد أصبج اللاعبون يعاملون مثل سلعة تتنافس الفرق الكبيرة من أجل الفوز بها، قبل أن يتحولوا إلى ورقة في سعي دول مثل قطر الراغبة في تعزيز صورة البلد الصغير المؤثر بين الكبار.
ورأينا كيف بذل باريس سان جيرمان 222 مليون من أجل الفوز بخدمات اللاعب البرازيلي نيمار، وهو ما رأى فيه الكثيرون سعيا من قبل قطر المالكة للنادي الفرنسي، التي تواجه حصار جيرانها الخليجيين،إلى لفت الانتباه إليها وكسب نوع من التعاطف.
غير أن ما أقدمت عليه باريس سان جيرمان، رفع قيمة العديد من اللاعبين في بورصة الانتقالات في موسم، إلى درجة جعلت رئيس بايرن ميونيج، أولى هونيس يحتج قائلا إنه" لا يوجد أي لاعب في العالم يستحق 100 مليون دولار".
وأمس الخميس، تدخل كارل هاينز رومينيغه، الرئيس التنفيذي لنادي بايرن ميونيخ الألماني، ورئيس رابطة الأندية الأوروبية، كي يدعو إلي ترسيخ قواعد تحد من ارتفاع أسعار اللاعبين.
رومينيغيه، النجم السابق للمنتخب الألماني وبايرن ميونيخ، الذي يعول على مباردات من رابطة الأندية الأوروبية بجانب الاتحاد الدولي لكرة القدم واتحاد الكرة الأوروبي والاتحاد الدولي للاعبين المحترفين، من أجل عودة الأمور إلى نصابها، عبر عن ثقته في قدرة الممثلين السياسيين في الاتحاد الأوروبي على اتخاذ تدابير من أجل الحد من المغالاة في الأسعار في عالم كرة القدم.
لكن هل يستحق اللاعبون الحاليون مهما كانت موهبتهم، المبالغ المالية التي تبذل من أجلهم؟ عندما نقارن بين نجوم الأندية الكبيرة اليوم ونجوم أسعدوا العالم في السابق، لابد أن يستغرب المرء لمستوى المبالغ التي تبذلها الأندية اليوم.
لا يوجد من بين من يعتبرون نجوما اليوم، وإن اعترف لبعضهم بالفضل في إمتاعنا، قادة حقيقيون يمكن أن يلهم زملاءه ويحفزهم بنظرة منه، مثل كرويف ومارادونا وبادجيو وبكنباور وديستيفانو وغارينشا وكوبياص ورومايو وويا..فقد كان زيدان ورونالدينهو آخر القادة الملهمين بكسر وفتح الهاء..
وإذا أمعن من يملكون سلطة القرار أو المال، في تحويل كرة القدم إلى تجارة ووسيلة للنفوذ، فإننا سنصبح متسولين لكرة القدم في الملاعب، نتسول لعبة جميلة، حسب تعبير غاليانو، حتى من الفرق التي لا نعشق ألوانها، دون أن نقوز بما يسر أنظارنا.