مصطفى أزوكاح
الاعتداءات التي تقترفها قوات الاحتلال الإسرائيلية في هذه الأيام بالأقصى، لا تشذ عما دأبت عليه منذ أن قامت تلك الدولة، فالسلام والعيش المشترك لم يكن ضمن أجندتها، إذ لم تتخلص من فكرة الآباء الصهاينة المؤسسين، الذين كانوا مهووسين بالتطهير العرقي والقضاء على الشعب الفلسطيني.
في هذه الأيام، وفي الوقت الذي يحابي قادة في الغرب، مثل الرئيس الفرنسي، إيمونويل ماكرون، إسرائيل ويعبر عن جهل سافر بالفرق بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية، لا بد من التذكير بخطيئة النشأة. فقد أراد الصهاينة قطع دابر الفلسطينيين، غير أن مؤرخين إسرائيليين، كانت لهم الشجاعة كي يقدموا رواية أخرى غير تلك التي روج لها الصهانية.
فقد انكب" المؤرخون الجدد" على دحض الرواية الإسرائيلية، حيث عملوا على فضح فكرة التهجير القسري للفلسطينيين في الخمسينيات من القرن الماضي لدى الصهاينة. فمن المؤرخين من قال بعدم وجود خطة ممنهجة للتهجير، وإن تضمنها فكر القادة السياسيين والعسكريين.
وبرز من بين هؤلاء المؤرخين، " إيلان بابي"، الذي ألف كتابا بعنوان " التطهير العرقي في فلسطين"، حيث خلص إلى أن تهجير الفلسطينيين في 1948، لم يكن أثرا جانبيا للحرب. هو يؤكد أن الصهاينة، مارسوا، عن سبق إصرار وترصد، سياسة التطهير العرقي من أجل طرد السكان الأصليين من فلسطين.
يرفض بابي في كتابه الذي صدر قبل إحدى عشرة عاما، ما درج المؤرخون والسياسيون على تسميتها ب" النكبة"، وهي تسمية تريد إخلاء مسؤولية المحتل. بابي يصر على وصف ما وقع ب" التطهير العرقي"، الذي يشير إلى الضحية والمجرم.
استند بابي على الوثائق السرية التي أضحت متاحة بعد خمسين عاما، حيث تجلت له العلاقة بين مأساة الفلسطينيين و مخططات قادة الصهاينة. فهو يوضح أن " المسألة الفلسطينية، هي القضية البسيطة و المرعبة لتطهير فلسطين من سكانها الأصلييين، وهي جريمة ضد الإنسانية، أرادت إسرائيل إنكارها وجعل العالم ينساها. إن استردادها من النسيان واجب علينا".
اهتم بابي بأسماء المجرمين وحرص على الوقوف على تفاصيل الخطط الذي طبق من أجل تحقيق هدف الصهاينة.
فهذا دافيد بن غوريون، الذي تولى عملية الإشراف على تهجير ثمانمائة ألف فلسطيني بين 1948و1949، قال في مذكراته " أني مع الطرد الإجباري، ولا أرى أي شيء غير أخلاقي فيه".
طبق الصهاينة شعار " اقتل كل عربي تلقاه". هكذا نفذت خطة، أفضت في فترة وجيزة، أى بين مارس وماي 1948 إلى احتلال 200 قرية، وتهجير 250 ألف فلسطيني. وكانت الأوامر تقضي بمحاصرة وقصف القرى، وإضراب النار في المنازل ووضع الألغام تحت أنقاضها. هذا لم يغب عن بابي.
في التاسع من أبريل من عام 1948، عمد الصهاينة إلي تصفية 93 فلسطينيا بدير ياسين، من بينهم 30 طفلا. تلك جرائم وثقها المؤرخ بابي في دير ياسين والطنطورة وعين الزيتون.. فقد حرص الصهاينة بين قرار التقسيم وماي 1948 على تصفية السكان الأصليين في 531 قرية ومدينة.
الكثير من المذابح والجرائم اقترفت في حق السكان الأصليين. هذا ما يدفع المورخ بابي إلى اتهام إسرائيل بممارسة التطهير العرقي. تطهير عرقي غض عنه الانتداب البريطاني الطرف. لم يتدخل الجيش البريطاني لوضع حد لسعار الصهاينة، بل إنهم سحبوا قوات الشرطة ورفضوا استقدام قوات أممية. ولم يكتفوا بذلك، بل نزعوا سلاح الفلسطينيين.
يعتبر بابي، المؤمن بالعيش المشترك بين اليهود والعرب، أن تحقيق السلام، لا يمكن أن يتأتى إلا بعد اعتراف إسرائيل بجرائمها وتسليمها بحق عودة الفلسطينيين. هو يحذر من عمليات " تراسفير" جديدة ويدعو لوضع حد لأقبح احتلال في التاريخ.
تمرد بابي على الرواية الصهيونية وتم التضييق عليه في إسرائيل، كي يهاجر إلى إنجلترا بعد ذلك. هو يذكر بالوجه البشع للصهاينة، ذلك الوجه الذي يسعى قادة في الغرب إلى تجميله، بينما يحاولون تشويه صورة الفلسطيني الضحية، الذي يجتهدون من أجل تقديمه في صورة " الإرهابي"..
منطق لا يتردد بعض العرب في التسليم به لا عتبارات سياسيوية أو طائفية أو حزبية ضدا على حقائق التاريخ الذي يقدم بابي لمحة منه.. وما يحدث اليوم بفلسطين، يستدعي التذكير.. لعل الذكرى تنفع.
05 janvier 2024 - 12:00
19 décembre 2023 - 12:00
18 novembre 2023 - 20:00
18 septembre 2023 - 20:00
19 juillet 2023 - 10:00
07 novembre 2024 - 12:00