بين بنكيران والعثماني، لم تفقد الحكومة شرعيتها، بل صوتها. مر 34 يوماً بين تاريخ إعفاء عبد الإله بنكيران وتنصيب حكومة سعد الدين العثماني. خرج المغرب السياسي من وضعية البلوكاج المؤسساتي، كي يدخل وضعية تبلد كلامي.. صمت مطبق في صفوف الحكومة.
الفرق الكبير في الأسلوب بين رئيس الحكومة السابق ورئيس الحكومة الحالي، يتمثل في الكلمة، الاستحواذ على الكلام وعشق أخذ الكلمة. منذ البداية، ربط الناس بنكيران بالكلمة. فقد حصل تماه عجيب بينهما. والصمت هو الذي يميز العثماني. وهذا يجعل حضور بنكيران مكتسحا، فقد ظل يتكلم، حتى بعد إزاحته.. بل إنه حافظ على هذه القوة، حتى وهو يلوذ بالصمت.
مع سعد الدين العثماني ووزراء، لدينا الإحساس بأن ثمة فراغا كبيرا على مستوى الكلام. الطبيب النفساني، يفضل الإنصات و يتكلم قليلا. وحسب أخبار متفرقة، انتهت إلينا من هنا وهنا، فإن هذا الفريق يفضل العمل. إنه يريد تعويض الكلام بالعمل. لكن في السياسة، العمل والإنجاز لا يكفيان، لا يبدلهما من الكلمة والتفاعل مع الناس.
نحن نعرف الظروف التي تشكلت فيها حكومة العثماني، وحالة الغضب التي اجتاحت حزب العدالة والتنمية، الذي لم يستسغ بعض أعضائه الطريقة التي خرج بها بنكيران أو لم يتقبل بعضهم عدم ضمه إلى فريق العقماني. هؤلاء يأخذون الكلمة بقوة، ويقدمون بنكيران على أنه ضحية "مقاومته"، وضحية "أعداء التغيير والإصلاح". كلام سهل، لكن له جمهوره.
في مواجهة هؤلاء، نوجد أمام صمت مطبق لطبقة سياسية، لم تخرج من المزاج الذي رسخته خمسة أشهر من البلوكاج. العدالة والتنمية يغلي من الداخل، وضعية يرعاها بنكيران بالكثير من الهدوء. حزب الحركة الشعبية صامت جرياً على عادته. وكذلك يفعل حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يختار وزراؤه التكتم. حزب التقدم والاشتراكية يختار التواري إلى الظل. حزب الاتحاد الاشتراكي يترنح تحث ثقل زعيمه، أما الاتحاد الدستوري "راكم عارفين".. هذا الغياب ضار بالحكومة الحالية، التي تؤجج المقارنات مع الحكومة السابقة.
يوضح مصدر قريب من دوائر السلطة، أن وزراء حكومة العثماني، يحاولون "التقاط أنفاسهم"، و"معالجة جراح خمسة أشهر من البلوكاج، تخللها الكثير من السباب والعنف اللفظي".. وبالتالي، يتحلى الوزراء القدامى الذين جددت فيهم الثقة في فريق العثماني بالحذر، ويبدو الوزراء الجدد متهيبين، وفي الحالتين، الجميع يلوذ بالصمت.
في موقع "بانورابوست" أو موقع "مواطن"، كان الوزراء الذين اتصلنا بهم من أجل الحصول على تصريح أو تعليق، يردون: "ليس الآن" أو "بعد تبني مشروع المالية" أو "ليس لدي الوقت". منهم من يعتذر، ومنهم من لا يجيب خوفاً من ردود أفعال حول تصريح أو حوار.
حاولنا الاتصال بسعد الدين العثماني، ونبيل بنعبد الله، ومحمد حصاد، وعزيز أخنوش، ونزهة الوافي، ولحسن الداودي.. لكن الصمت كان هو الجواب.
يعطي الوزراء الانطباع بأنهم يوجدون في حالة من الضيق، والحال، أنه بالنظر للأحداث التي جرت منذ حوالي شهرين، كانوا سيربحون كثيرا لو انفتحوا على وسائل الإعلام، من أجل التوضيح والتفسير، والتعبير عن مشاعرهم حتى.. فبدون ذلك، ستبقى ذكرى حكومة بنكيران حية في النفوس، وسيفتحون الباب أمام الحنين إلى مرحلة كانت سمتها الغالبة.. الكلام والإسهاب فيه
في الوقت الذي كان يفترض في العثماني الإدلاء بتصريحات من أجل ملء الفراغ في الساحة السياسة و الاجتماعية والحزبية، نراه يلوذ بالصمت.. وفي الوقت الذي كان يتوجب على أخنوش توضيح مساهمة حزبه و الحديث عن إنجازاته، نراه يتحصن بالصمت.. و في الوقت الذي كان يتوقع من بنعبد الله الكشف عن كواليس تشكيل هذه الحكومة، نجده يختار التواري إلى الظل.
مادام بنكيران ووزراؤه، الذين كانوا يتكلمون كثيراً، صامتين اليوم، فإنه يعود للعثماني وفريقه، الذين لا يقولون أي شيء، أن يتخففوا من الصمت الذي يغذي حيرة الناس.
05 janvier 2024 - 12:00
19 décembre 2023 - 12:00
18 novembre 2023 - 20:00
18 septembre 2023 - 20:00
19 juillet 2023 - 10:00
07 novembre 2024 - 12:00