"لا تتلاعبوا بالطفولة".. صرخة أطلقاتها بصريح العبارة "نعمية وفاطمة"، اللتان تم انتزاعهما من العمل المنزلي الذي بدؤوه في سن صغيرة، من طرف جمعية ناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الأطفال، ليستأنفتا دراستهما، إلى أن حصلتا على شهادة البكالوريا، في استمرار لتحقيق الحلم الذي راودهما منذ الصغر.
صرخة "نعيمة وفاطمة" أسمعتاها وسط جمع من الحضور في ندوة صحفية من تنظيم جمعية "إنصاف" أمس الأربعاء 10 أكتوبر الجاري بمدينة الدار البيضاء، بمناسبة مرور أيام على دخول القانون 19.12 المحدد لشروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين حيز التنفيذ.
تقول "فاطمة" بنبرة صوت كلها ثقة ويقين "بعد أن كنت طفلة ألقت بها ظروف الحياة للعمل داخل البيوت، أنا الآن طالبة جامعية بجامعة القاضي عياض بمدينة مراكش، بعد أن حصلت على شهادة البكالوريا".
تضيف "مبتغاي الآن وأنا أدرس أن أصبح صحافية، أولا لأنها حلمي ومرادي، وثانيا من أجل أن أكون ذاك الصوت الذي ينقل معاناة الفتيات والدفاع عنهن، من أجل أن يكملن دراستهن إلى أن يصلن إلى مرحلة يتمكن معها من الاشتغال".
"فاطمة" وهي شاكرة جمعية إنصاف التي كان لها الفضل فيما أصبحت عليه، تؤكد أن مجيئها والوقوف أمام الحضور، نقلا لمعاناة فتيات لا أحد ينصت لهن، على حد تعبيرها إذ تقول، "جئت اليوم أتحدث عن مجموعة من الفتيات اللواتي يتعرضن لمجموعة من الضغوطات عندما يشتغلن في المنازل في سن صغيرة، إذ أقول لكم أن هؤلاء الفتيات يعانين بشكل كبير معنويا وجسديا، فلا وجود لمن يساعدهن، غير أنه بفضل الجمعية وأنا واحدة منهن، بإمكاننا إنقاذهن إذا تكاثفت الجهود وتمت المواكبة".
عديدة هي الأسباب التي تدفع بهؤلاء الفتيات لأجل الاشتغال داخل البيوت، تشدد "فاطمة" التي توضح أن "هناك ظروف العائلة التي تحول دون أن يتممن دراستهن، إذ هناك فتيات عندما ينتهين من المرحلة الابتدائية لا يجدن وسائل التنقل التي تساعدهن من أجل التنقل إلى مرحلة الإعدادي، الأمر الذي يحتم على الأسر إنهاء مشوارهن الدراسي، خصوصا وأن أغلب هذه الأسر تكون فقيرة ومعوزة، كما أن هناك حالات تضطر إلى الاشتغال لأجل أن تساعد أبويها في إعالة إخوتها الصغار".
تزيد المتحدثة "بالفعل الظروف حقا والآباء بجهلهم من يجعل بناتهن يشتغلن، لكن وجب عليهم أن يعلموا أن فلذات أكبادهن يتعرضن للعديد من المشاكل من قبل أناس في غالب الأحيان لا يعلمون عنهم شيئا، سوى تلك الدريهمات المعدودات التي تربط بينهما والتي يتقاضونها كل شهر".
"كل هذا عشته وأنا في سن صغيرة" تحكي "فاطمة"، مردفة "أحس بكل معاناة أي فتاة أراها تشتغل، تجربتي مريرة وصعبة، ولا أتمنى لأي فتاة أن تمر مما مررت به".
من جهتها، تؤكد من تقاسمت مع "فاطمة" الصرخة، "صحيح.. الفتاة التي تشتغل في المنزل، تعيش ظروف قاسية جدا"، شاكرة بدورها الجمعية التي انتشلتها هي الأخرى من ما كانت تعانيه، إذ تقول أن "إنصاف" تحمل على عاتقها مسؤولية كبيرة، مسؤولة لم يعد بمقدور الآباء تحملها، على حد تعبيرها.
"نعيمة" الكاتبة والفنانة والتي تدرس بأحد معاهد الفنون الجميلة، تشدد على أن السماح بتشغيل الفتيات في سن الـ16 هو "اغتصاب للطفولة"، قائلة "أن يشتغل الطفل في هذا السن فهذا يدل على أنه لم يتم إعطاء الاعتبار للطفولة وللبلاد لكون هؤلاء أجيال المستقبل".
وهي تتحدث عن مآساي فتيات، تقول بلهجة شديدة، أن "هناك العديد من الأطفال والفتيات لم تتح لهم الفرصة للتعبير عن ما يريدونه، لكن أؤكد لكم أنهم يريدون الدراسة والاستمتاع بطفولتهم لا غير".
"فاطمة ونعمية" اللتان نالتا من تصفيقات الحاضرين في الندوة الشيء الكثير، قال عنهما، عمر سعدون، المكلف ببرنامج محاربة تشغيل الأطفال في جمعية "إنصاف"، أنهما تمثلان العديد من الفتيات المستفيدات من هذا البرنامج، الذي اعتبره قد "أعطى دفعة كبيرة لأجل تحقيق حلم مجموعة من الفتيات"، كما جاء على لسانه.
يبرز سعدون، أن هذه السنة الحالية هناك 196 فتاة تستفيد من هذا البرنامج على مستوى ثلاث أقاليم بالمملكة، مؤكدا أن الرغبة ملحة من أجل إنقاذ فتيات أخريات ومساعدتهن من أجل تحقيق طموحاتهن.
20 décembre 2023 - 20:00