موسى متروف
"في الأنظمة المعقدة، من شأن أفعال فرد واحد أن تحدث تغييرا للنظام كله، فحين أقدم محمد البوعزيزي على إحراق نفسه في إحدى البلدات التونسية الصغيرة، تمخض فعله عن إحداث زلزال سياسي خضّ العالم العربي: "الربيع العربي". من جراء عقود من سوء الحكم والفساد، كانت الدول في طول العالم العربي وعرضه مسكونة بآيات عدم الاستقرار. كانت ناضجة للتغيير. وفي مثل تلك الحالة، تقدر أي قشّة، مهما صغرت، على قصم ظهر البعير. يتعذر التنبؤ بما من شأنه أن يطلق عملية التغيير، أو بموعد حدوثها. من المستحيل معرفة حالة النظام في أي وقت –إنها دائمة التغيير"... هذا مقتطف من كتاب "الثورة بلا قيادات- كيف سيغادر الناس العاديون إلى تولّي السلطة وتغيير السياسة في القرن الواحد والعشرين"، الصادر ضمن سلسلة "عالم المعرفة" (مارس2017)، التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت.
المقتطف من مقدمة الطبعة العربية للمؤلّف كارن روس وهو دبلوماسي بريطاني سابق، وقد عمل في مجال أسلحة الدمار الشامل البريطانية وكان ثاني اثنين من الدبلوماسيين البريطانيين اللدين استقالا بسبب إعلان الحرب على العراق في 2003.
لكن ما يثير الانتباه إلى المؤلف هو أنه يبشّر بـ"صيغة جديدة للسياسة"، لأن "الصيغ القديمة أخفقت إخفاقا شنيعا"، على حد تعبيره. فالزمن الحاضر بالنسبة إليه "زمن قدر هائل من اللاستقرار وعدم اليقين، إنه زمن قدر هائل من المعاناة، وليست ثمة رؤية واعدة لمستقبل أفضل. تزعم الحكومات أنها توفر الاستقرار، وكن ذلك إن هو إلا عرض زائف، لأن القمع لا يتمخض إلا عن المعارضة، هو استقرار مقابل ثمن راعب من الأرواح والمعاناة الإنسانية. وفي الوقت نفسه، يزعم المتطرفون الدينيون أن طريقهم هو الطريق القويم لإدارة المجتمع والعالم، وهذه الشمولية –تفوّق وسيادة نظرة واحدة في المجتمع والعالم- مناقضة للديمقراطية ومنافية للتسامح مع الاختلاف، وهي مرفوضة فعلا من جانب الأكثرية الساحقة في العالم العربي وخارجه، ومع ذلك، فإننا جميعا نعيش في مجتمعات متباينة دينيا واجتماعيا، فالمجتمع لا يستطيع أن يؤدي وظيفته وينعم بالاستقرار إلا إذا كان النظام السياسي حاضنا لمثل هذا الاختلافـ بل مرحبا به، لا قامعا له".
والحل بالنسبة إلى الكاتب يكمن في اقتراح نوع من العودة إلى "أساسيات ما ينبغي للديمقراطية أن تكونه". ويوضح أن الناس "هم أفضل من يقفون على واقع ظروفهم؛ يجب أن يكون القرار بشأنها لهم. يستحيل على أي نخبة معزولة، خصوصا إذا كانت غير منتخبة، أن تعرف واقع المواطنين. القرارات الخائبة نتيجة حتمية، والقمع هو ما تفضي إليه مبادرة الشعب إلى الاحتجاج. ثمة تقليد عريق قائم على الحكم من القاعدة إلى القمة. جرى اختبار التجربة؛ وهي ناجحة. إنها في حاجة إلى جهد وممارسة. وتتطلب معايير سلوك جديدة: معايير الاستيعاب، والاحترام واللاعنف. إن إتقان فن إصغاء البعض إلى البعض الآخر واتخاذ القرارات الحاضنة لمصالح الجميع وآرائهم قد يستغرق وقتا طويلا. ولكن هذا هو الحل الوحيد. فما لم نعمل على بناء ديمقراطية قائمة على الاستيعاب، يبقى المستبعدون محكومين دائما بالمقاومة".
كتاب مهم في هذا السياق الذي يعرف العالم العربي قلاقل لها أول ولا آخر لها، ومن ضمن هذه الرقعة الواسعة تتموقع المملكة الشريفة، وحراك الريف الذي يشغلها في الشهور السبعة الأخيرة، حيث "الثورة بلا قيادات"....
14 mars 2024 - 14:20