الطبيبة النفسانية والباحثة والمناضلة الجمعوية من أجل حقوق المرأة سهام بنشقرون تختار موضوعا شائكا، هو المساواة في الإرث، وتخصص له كتابا، بطبعة فاخرة، تحت عنوان "إرث النساء"، أصدرته تحت إشرافها، أعطت فيه الكلمة لـ23 خبير ينتمون إلى حقول علمية مختلفة، من بينها الجانب الديني طبعا.
وينبني الكتاب لمقاربة الموضوع الإشكالي للمساواة في الإرث بين الجنسين من تصور حول ثلاث مرجعيات: المرجعية الدينية، المرجعية السياسية والقانونية والمرجعية المجتمعية، قبل الإطالة على التجربتين التونسية واللبنانية.
وتذكر بنشقرون في الخاتمة التركيبية بأنه بناء على حِجاج ديني يتم رفض أي نقاش عمومي حول هذا الموضوع، وأنه كلما جازف مثقف أو مناضل أو مؤسسة (من قبيل المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي يتمتع بمشروعية دستورية) بالإشارة إلى أهمية مراجعة قانون الميراث إلا وتعرض للسب أو التكفير وحتى التهديد.
وفي ما يخص هذه المرجعية، يضم الكتاب حوارات مع مدير دار الحديث الحسنية أحمد لخمليشي والإمام الأكبر لبوردو طارق أوبرو والباحث المتخصص في مقارنة الأديان يوسف كلام ومساهمات لمديرة مركز الدراسات النسائية في الإسلام بالرابطة لمحمدية لعلماء المغرب أسماء لمرابط والباحث في الدراسات الإسلامية الذي كان ضمن "شيوخ السلفية المعتقلين" محمد عبد الوهاب رفيقي وأستاذ القانون الحسن رحو الجراري الذي أعد عدة دراسات حول الإرث في القانون المغربي والباحثة في مجال الدراسات النسائية في الإسلام نادية الشرقاوي، فضلا عن مشاركة الباحثة مريم يفوت التي قدمت، إلى جانب بنشقرون، لهذا الجانب في الكتاب.
وإذا كان لخمليشي لا يعطي رأيه الشخصي في المساواة في الإرث، فإنه يدعو إلى اعتماد رأي "الأغلبية"، موضحا "أن كل مسلم له الحق في فهم دينه والتعبير عن وجه نظره"، وإن كان يعود إلى أن ذلك يستدعي وعيا بذلك "وهو ما ينقصنا"، على حد تعبيره.
وأصر أوبرو على أن "القرآن مقدس لكن تأويله ليس مقدسا"، في إشارة إلى آراء الفقهاء.
من جهتها، كانت لمرابط أكثر وضوحا عندما ذكرت أنه إذا كانت النساء اليوم يُعِلْن أسرهن أو يساهمن في ذلك فإن نصيبهن من الميراث يجب أن يُراجع لإعادة التوازن لمقتضى نصف النصيب الذي لا يأخذ في الاعتبار مساهمة المرأة في المسؤوليات الاقتصادية.
أما رفيقي فدعا إلى "حوار جدي يشارك فيه كل المعنيين ويضع كل الإشكاليات والإكراهات"، بعدما استعرض مجموعة من التجارب التي تهم الاجتهاد في مختلف وجوه المواريث.
هي إذن دعوة إلى مراجعة مقاربة للجانب الديني، خصوصا أن جوانب من الميراث يمكن إصلاحها، حسب مجموعة من المساهمين في الكتاب، كـ"التعصيب" (يستفيد مند الذكور فقط) الذي سبق الإسلام، وكان مرتبطا بحماية القبيلة من طرف الرجال.
وبالنسبة للمرجعية السياسية والقانونية تقتضي في الكتاب أخذ في الاعتبار التوجه نحو المساواة في الدستور ومجموعة من القوانين ومن بينها مدونة الأسرة، من أجل سد الفجوة بين القاعدة القانونية والواقع الاجتماعي، كما يلتقطها الباحثون والأساتذة الجامعيون أحمد غزالي ومحمد مؤقت وزكريا الداودي ومليكة بن الراضي.
وبالنسبة للمرجعية المجتمعية، التي ساهم فيها خبراء وباحثون في الاقتصاد (فوزي مرجع وعبد الجواد الزارعي) والقانون (حكيمة الفاسي الفهري) والسوسيولوجيا (جمال خليل) والتربية (أمينة لمريني) تجعل أن النقاش حول الإرث ليس "فقط" دينيا إنه نقاش مجتمعي يهم كل المواطنين، ليُطرح "السؤال الحقيقي: ما هو النموذج الاجتماعي الذي نطمح إليه وأي مجتمع سنورثه لأطفالنا؟"، كما تقول بنشقرون التي أفردت في الكتاب، ضمن هذه المقاربة المجتمعية، "رؤية من الداخل"، استعرضت فيها تجربتها كطبيبة ومعالجة نفسانية وفاعلة جمعوية معاناة الكثير من النساء اللواتي أوردت شهاداتهن الخاصة.