بعد أسابيع من تجديد الثقة فيه على رأس وزارة الصحة بالمغرب، بادر الحسين الوردي، إلى تنظيم ندوة صحافية، اليوم الأربعاء، بمقر الوزارة بالرباط، تحدث فيها عن الاستراتيجية المرتقبة تطبيقها في الولاية الحكومية 2017 - 2021، إضافة إلى بعض المشاكل المرتبطة بالقطاع، خصوصاً احتجاجات الممرضين.
الحسين الوردي، وزير الصحة لولاية ثانية، والمنتمي لحزب التقدم والاشتراكية، عرف قطاعه في الولاية الحكومية السابقة، برئاسة بنكيران، احتجاجات عدة، خاضها الطلبة الأطباء، ولا يزال الممرضون يحتجون من حين لآخر، كما أن حيوية وأهمية قطاع الصحة تجعله دائماً في مرمى نيران البرلمانيين والإعلام.
الميزانية الضعيفة
أول ما بدأ به الحسين الوردي ندوته الصحافية، هو الإشارة لضعف ميزانية وزارته، حيث قال إنها لم تتغير منذ سنوات، مذكراً بأن المنظمة العالمية للصحة تُشدد على ضرورة أن تخصص البلدان 12 في المائة على الأقل من الميزانية العامة للدولة لصالح قطاع الصحة.
بين السنة المالية 2017 والسنة المالية الماضية، لم تتغير كثيراً ميزانية وزارة الصحة بالمغرب، ارتفعت بالكاد بنسبة 0,1 في المائة، أي 14 مليار درهم و300 مليون درهم، وهي ما يمثل 5,69 في المائة من الميزانية العامة، وهي بعيدة عما تنص عليه المنظمة العالمية للصحة.
حوالي 54 في المائة من هذه الميزانية تخصص للتسيير (أجور الموظفين)، وأقل من نصف الميزانية تبقى للاستثمار. كما يشتكي الوزير من تخفيض عدد المناصب المالية السنوية، والتي لم تتجاوز 1500 منصب مالي سنة 2017.
هذا الرقم كان لا يقل سنوياً عن 2000 منصب مالي في السنوات الماضية، لكن انخفض هذا الرقم نظراً لتعديل قانون المعاشات المدنية المرتبط بالصندوق المغربي للتقاعد بعدما رُفع سن الإحالة على التقاعد إلى 63 سنة.
قانون التغطية الصحية الشاملة
عبر الوردي عن أسفه بخصوص تأخر المصادقة النهائية على قانون التغطية الصحية للمستقلين التي تهم الصناع التقليديين والفلاحين والأطباء في القطاع الخاص والمحامون، والتي تعني حوالي 12 مليون نسمة.
وقال الوردي إنه كان جعلته كأولوية في الحكومة السابقة، وأضاف: "أتأسف كثيراً بخصوص هذا التأخر، لأنه بعد مناقشته في مجلس المستشارين وحصل عليه إجماع ونوقش أيضاً في مجلس النواب، وبقيت خطوة المصادقة النهائية عليه لكن تصادف ذلك مع انتهاء الولاية التشريعية وتأجل".
القانون الذي يشير إليه الوردي يوجد حالياً لدى مجلس المستشارين، والذي جاء ضمن حزمة مشاريع قوانين لإصلاح أنظمة التقاعد بالمغرب، حيث تنص لأول مرة على إحداث نظام للتغطية الاجتماعية (التقاعد والتغطية الصحية) لغير الأجراء.
وفيات الأمهات ومتوسط العمر في المغرب
حسب ما كشف عنه، وزير الصحة، فنسبة وفيات الأمهات عرفت انخفاضاً بنسبة تقدر بـ35 في المائة مقارنة بعام 2010، حيث وصلت اليوم إلى 72,6 حالة وفاة للأمهات لكل 100 ألف ولادة حية.
جاءت هذه النتائج في إطار دراسة أنجزت بتنسيق مع المندوبية السامية للتخطيط وصندوق الأمم المتحدة للسكان واليونسيف ومنظمة الصحة العالمية وجامعة الدول العربية تحت عنوان: “المسح الوطني السادس وصحة الأسرة لسنة 2017”.
وكانت نسبة الوفيات في صفوف الأمهات لكل 100 ألف ولادة حية سنة 1990 تصل إلى 332 وفاة، وفي سنة 2004 تبلغ 227 وفاة، وفي سنة 2010 بـ112 وفاة.
كما أشار الوزير أيضاً إلى ارتفاع متوسط العمر حيث كان ما بين 70 و72 سنة، وأصبح اليوم المواطن المغربي أصبح يعيش اليوم 75 سنة.
الأمراض المزمنة في المغرب
حسب الأرقام التي كشف عنها الوزير الوردي، فقد ارتفعت نسبة مرضى السكري الذين تتكفل بهم الوزارة بنسبة 40 في المائة، حيث انتقل الرقم من 460 ألف حالة إلى 650 ألف حالة إلى حدود 2016.
نفس الشيء بالنسبة لمرضى الضغط الدموي، حيث ارتفع العدد بثلاثة أضعاف، إذ إلى حدود سنة 2011 كان المرضى الذين تتكفل بهم الوزارة حوالي 264.800 شخص، وأصبحوا سنة 2016 حوالي 750 ألف شخص.
أمام بخصوص مرض القصور الكلوي، فقد ارتفع عدد المرضى الذين تتكفل بهم الوزارة بـ50 في المائة، وبعدما كان الرقم سنة 2011 حوالي 6000 مريض، أصبحوا الآن 9300 مريضاً.
كما كشف الوردي أنه إلى حدود 2012، كان استعمال الأدوية الجنيسة لا يتجاوز 30 في المائة، وفي سنة 2016 وصل الاستعمال نسبة 39 في المائة.
الدواء وسكانير لكل مستشفى
المواطن المغربي، حسب وزير الصحة، يصرف 390 درهم إلى 400 درهم سنوياً لشراء الدواء سنة 2012، واليوم أصبح يصرف 415 درهم سنوياً، ارتفاع قليل لكن لفت الوزير إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار انخفاض أثمنة عدد كبير من الأدوية بالمغرب في السنوات الماضية.
خلال الندوة، وعد الوزير، بأن يوفر خلال هذه الولاية الحكومية، سكانير لكل مستشفى إقليمي، بالإضافة إلى آلة التصوير بالرنين المغناطيسي لكل مشفى جهوي، مع فتح 14 مستشفى عمومي جديد خلال 100 يوم الأولى من الحكومة.
الخدمة الإجبارية ستعود
كانت الخدمة الوطنية الصحية، أو الخدمة الإجبارية، أحد الملفات التي جرت على الوردي في الولاية السابقة الكثير من الاحتجاجات، حيث أكد في هذه الندوة أن الخدمة الصحية الوطنية ستتم مناقشتها، في أفق طرقها في صيغة متوافق حولها.
هذه الخدمة كان قد رفضها الطلبة الأطباء، وهي تقوم على أساس العمل لمدة سنتين بعد التخرج في المناطق القروية، لكن الوردي يقول إنه سيعيد النقاش حولها، لإيجاد صيغة جديدة، مشددة على أن هذه التجربة ساهمت في حل مشاكل العديد من الدول.
الممرضون.. الظلم والحيف
بخصوص موضوع الممرضين واحتجاجاتهم، أقر الوزير الوردي أن هذه الفئة تعيش ظلماً وحيفاً منذ سنة 2000، تاريخ صدور القانون المنظم للتعليم العالي، حيث قال إن الممرض المجاز من الدولة حين يتم توظيفه لا يستفيد من السلم العاشر، على غرار ما هو معمول به في القطاعات العمومية الأخرى.
لكنه عاب على الممرضين عدم الدفاع عن مطالبهم حيث قال: “الممرضون يعيشون حيفاً وظلماً، الكل كان يدافع عن حقوقه إلا هم، لأنه لا يعقل أن يدرس الممرض ثلاث سنوات بعد الباكالوريا ولا يخوله الدبلوم الاستفادة من السلم العاشر”.
الوردي كشف أنه راسل رئيس الحكومة سعد الدين العثماني لعقد لقاء مستعجل لمدارسة مشكل الموارد البشرية في القطاع الصحي، على رأسها المعادلة العلمية والإدارية لدبلومات الممرضين والممرضات، وأكد أنه “سأدافع عن الممرضين وسأكون نقابيا في هذا الموضوع”.
وفاة إيديا.. نتائج التحقيق
بخصوص هذا الموضوع الذي أثار جدلاً واسعاً في الأسابيع الماضية، نفى الوردي، أن تكون وفاة الطفلة نتيجة الإهمال الطبي، مشيراً أن "التحقيق كشف اختلالات إدارية في مستشفى الراشيدية، وقد تم اتخاذ إجراءات في حق المعنيين بالأمر".
وأوضح الوردي، أن "الطفلة إيديا وخلافاً لما يشاع، عندما حلت بمستشفى تنغير، تم إرسالها للرشيدية لعدم توفر سكانير بالمستشفى، حيث خضعت للسكانير الأول فأظهر كسراً في الرأس، ولم يكن هناك تورم ولا نزيف، ثم خضعت لفحص ثان بالسكانير للجسم كاملاً، وبدوره لم يظهر أي شيء، سوى كسر وسيلان دم في الأنف، ليتقرر إرسالها للمستشفى الجامعي بفاس، حيث لفظت أنفاسها الأخيرة هناك”.
الوردي أمام تحد الولاية الثانية
يُحسَب للوردي أنه يتواصل بشكل مستمر، ويتفاعل أيضاً، لكن مشاكل قطاع الصحة لا تنتهي، خصوصاً في ظل ضعف الميزانية المخصصة لها. هو اليوم في ولاية ثانية على رأس الوزارة، رغم أنه كان يرغب في عدم تحمل المسؤولية من جديد، ولاية ستجعله أمام رهان تجاوز الإكراهات التي يعرفها القطاع الحساس، شأنه شأن قطاع التعليم بالمغرب.