أمل الزروالي
مع حلول شهر ربيع الأول من كل سنة هجرية، يستعد المغاربة للاحتفال بذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، والذي يوافق تاريخ 12 من ذات الشهر، وهي مناسبة دينية دأب أغلب المغاربة على إحيائها كل سنة، باعتبارها "ذكرى دينية مقدسة"، يجددون من خلالها علاقتهم وصلتهم بحبيبنا محمد، بمظاهر المديح والذكر.
وبنبشنا في كتب التاريخ، فإننا نجد أن المغرب يعد من الدول الإسلامية التي تصب اهتمامها لإحياء عيد المولد النبوي، حيث تؤكد بعض الكتب أن احتفال المغاربة بهذه المناسبة يعود تاريخه إلى مطلع القرن السادس الهجري، ذلك أن "أبا العباس العزفي السبتي"، كان أول من دعا إلى الاحتفال بعيد المولد النبوي الكريم، حيث ألف كتابا في الموضوع أطلق عليه اسم "الدُّر الـمُنَظَّم في مولد النبي المعظم"، لكنه وَافَـتْه الـمَنِيَّة قبل أن يكمله، فأتمه ابنه أبو القاسم أمير سبتة حين ذاك.
ذكرى المولد النبوي الشريف تعد كذلك مناسبة، يقبل فيها بعض المغاربة، من المغاربة في مختلف المدن إلى زيارة الأضرحة والزوايا، لتنظيم نشاطات دينية، يذكرون من خلالها الله سبحانه وتعالى، ويقيمون احتفالاتهم من خلال إلقاء قصائد تمجد الله عز وجل ورسوله، للتعبير عن مدى حبهما وتعلقهما بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم، بجانب ذلك يعقد البعض جلسات ليلية تطلق عليها اسم ليلة "عيساوية" بحضور ما يطلق عليه "الحضرة"، ويرددون أمداح نبوية ويقومون بـ"الجدبة".
وتختلف طرق الاحتفالات بالمولد النبوي من فئة لأخرى، إلا أن الطرق الصوفية أخدت حيزا كبيرا في المغرب، كونهم اعتمدوا على تربية وزرع القيم الروحية والمعبرة عن حب الرسول، على حد قول محمد شقور أحد مريدي الطريقة الصوفية العلوية بتطوان.
محمد شقور أكد في حديث لموقع "مواطن" أن إحتفالات هاته الطريقة بالمولد النبوي تبدأ قبل شهرين من ذكرى مولد صلى الله عليه وسلم، بقراءة الكتب الشارحة للصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وفي يوم مولده يجتمع الإخوان الصوفيون والذين يطلقون على أنفسهم اسم "فقراء"، بعد صلاة العشاء في مقر الزاوية حيث تعم الطمأنينة والسكينة للاحتفال بهذا اليوم العظيم التي يستهل بتلاوات آيات بينات من الذكر الحكيم".
لمتحدث أشار أنه وبعد كل هاته الطقوس، يلجأ الصوفيون إلى تلاوة القصائد الربانية والمدائح النبوية، من ديوان الشيخ الطريقة العلوية، بعد تفجر الطاقة الروحية، يقوم الصوفيين بـ"العمارة"، المعروفة في الأوساط المغربية ب "التحيار"، والمتعارف عنها عند الصوفيين بـ "الحضرة الإلهية"، مرددين بيت شعري "صفت النظرة طابت الحضرة.. جاءت البشرة لأهل الله ..قاموا سكارى لذي البشارة..جعلوا عمارة شكرا لله ..أيها الحاضر اذكر وذاكر.. إياك تنكر حال أهل الله".
وأضاف محمد خلال ذات التصريح، أنه بعد الانتهاء من الذكر و "التحيار" التي تدوم لساعات طوال، يقومون الإخوان الصوفيون بتقديم كلمة شكر لله عز وجل بهذا اليوم العظيم، من بعد ذلك يتم إطعام الحاضرين، والختام بالصلاة الإبراهيمية".
وعارض الصوفي العلوي محمد، في حديثه، من يعتقدون بأن الاحتفالات بذكرى المولد، "بدعة"، قال "إن الاحتفال بمولد الرسول ليس ببدعة، وإنما فرح وبشرى للمسلمين بهذا اليوم العظيم، الذي بعث فيه الله عز وجل محمد صلى الله عليه وسلم، وجاءنا البشير النذير المصطفى وكان اقل ما يمكن أن نعبد ونحمد عز وجل بإحياء الاحتفالات المباركة التي من خلالها اجتمع المسلمون على كلمة واحدة".
مضيفا " إن ذكر الله والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، حاشا لله أن يكون بدعة، لان اقل ما يكمن للمسلمين أن يقومون به هو تقديس هذه الذكرى والاحتفال بها، فلنا قول مأثور في المغرب يقول المشرق مولد الأنبياء والمغرب مولد الأولياء، وأولياء الله تعالى كانوا خير أسوة للمسلمين".
وهو أمر خالف إياه الشيخ رضوان بنعبد السلام، الذي اعتبر أن "الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، ينبغي أن يكون بإتباعه والتشبث بأخلاقه، وقراءة سنته والتعبد لله سبحانه وتعالى، بدلا من الشكليات التي أصبحنا نراها في عيد مولد حبيبنا، من شراء الألبسة والغناء وشراء الحلويات وتجهيز الأطعمة وما إلى ذلك".
وأفاد الشيخ رضوان في حديث لـ"مواطن"، أن أغلب علماء المغرب أكدوا على "بدعية (من البدعة)، الاحتفال بعيد المولد النبوي، لكن في وقتنا الحالي إذا تفوهت بكلمة بدعة توضع في خانات "السلفيين المتشددين"، لأن من يحتفلون به مقتنعين بأنه واجب ديني، ولكن في حقيقة الأمر ما هو إلا تشبه بالنصارى".
حيث "أصبحت العائلات المغربية، تبحث عن أي عيد للاحتفال به، وذلك راجع لتعطشهم للفرح، فهم يبحثون عنما يلهيهم عن روتينهم اليومي، حتى أن أغلب الذين يحتفلون بعيده صلى الله عليه وسلم، إن سألتهم عن سيرته أو حياته أو حديثا من أحاديثه، فهم يهلون هذه الأمور، يتبعون التقاليد ويخالفون الرسول".
لا شك أن جدور الاحتفال بهذه المناسبة تجدرت في عقول المغاربة، باعتبارها عادات مقدسة يجب الاحتفال بها، فهي بمثابة "عيد" بالنسبة لهم، ومن الأمور الذات الطابع الاجتماعي والغير المنحصرة فقط في الجانب الديني، وهذا ما أكده لنا الدكتور والباحث في علم الاجتماع، عبد الجبار شكري، والذي شدد بدوره على أن هناك العديد من الذين يعتبرون الاحتفال بهاته الذكرى، على أنها بدعة ليس لها أصل في الدين، لكن في الحقيقة هي بعيدة كل البعد عن البدعة والتدين، لأن احتفال المغاربة بمولد الرسول له وزن في الطقوس الشعبية اليومية مثلها مثل عيد عاشوراء".
وتابع المتحدث "الاحتفال بالمولد النبوي في السوسيولوجية الدينية يعتبر متعة روحية ودينية، يقرب المغاربة من خلالها إلى حبيبهم الرسول بالذكر، وهو أمر متوارث منذ القدم يدخل في التقاليد والطقوس التي يعيشها المغاربة، لا يمكن لنا أن ننكرها".
19 avril 2024 - 12:00