إعداد: إسماعيل الطالب علي
في كثير من الأحيان يطرح لدى العديد من الأشخاص مسألة ارتباط الطفل بالمال، والعلاقة التي تجمعهما، خصوصاً أمام تواجد الأفكار السائدة التي تجتاح بعض المجتمعات والتي لا تعطي أساسا لهذه الأمور. فالمعلوم أن الطفل في سنواته الأولى يتعرف على الأشياء التي تحيط به، والتي من بينها المال، وعلى اعتبار أن كثيرا من الدراسات أبرزت أن الطفل في سنواته الأولى من عمره تتكون شخصيته، فإنه أضحى لزاما أن يتم الاهتمام بنظرته إلى المال وعلاقته به.
المال لدى الطفل
يمثل المال لدى الطفل عددا من الدلالات عند الحديث عن المال بمفهومه الضيق "أوراق مالية، نقود معدنية"، ترتبط بما هو وجداني وتروبي واجتماعي.
ويكون من شأن هذه الدلالات أن تكسب الطفل كثيرا من القدرات، عبر تمرينه وتطبيعه اقتصاديا، وكذا تهيئته لأجل إدراكه لكثير من السلوكات والأنشطة.
و كلما كانت العلاقة التي تربط الطفل بالمال سوية، فإن هذا الأمر يؤدي إلى تنمية ذات وشخصية الإنسان، ويساعده على الاعتماد على نفسه والاستقلالية إلى درجة الإحساس بالأمن، أما إذا شاب هاته العلاقة اضطراب ولم تكن سوية فينتج عن ذلك نتائج لها آثار سلبية فيما بعد الطفولة، وهو ما أثبته بعض الدراسات التي تحدثت عن كون أن مرحلة الطفولة تحدد المعالم الأساسية لعلاقة الإنسان بالمال.
وعند الحديث عن نتائج هذه الاضطرابات التي قد تحصل لدى الطفل في علاقته بالمال، فإن ذلك يظهر جليا فيما يسمى بأمراض المال كالإسراف وحب التملك والرشوة والمقامرة وغيرها، أو تتجلى في ما يطلق عليه بفوبيا المال، الذي يتجسد في الخوف المبالغ فيه في التعامل مع المال.
وبالتالي فالنقود تزود الطفل بالعديد من المعاني، خصوصا أمام الخيالات الخصبة الفتية التي ترافقه، وأيضا أمام إدراكه الذي يزداد ويتطور شيئا فشيئا، مما يعطيه مجموعة من المعاني والتمثلات والرموز، والتي قد تكون أحيانا خاطئة.
مصروف الجيب..
عند ذكر مصروف الجيب لدى الطفل، يستحضر المرء، بالضرورة ،الآباء، باعتبارهم الفئة المزودة للأطفال بهذه المصروفات، مما يستدعي إيلاء الأولوية لهاته المسألة والانتباه إلى الصلة بين الطفل والمال.
هذه الصلة، تستوجب على الآباء بشكل حاسم محاولة إناطتها بطريقة تكتسي طابعا عقلانيا وتربويا وعلميا، بالنظر لما يشكله ذلك من فوائد تعود بالنفع على تكوين شخصية الطفل وتحسين صلته بالمال.
مصروف الجيب للطفل، باعتباره مبلغا معينا يقدم للطفل ليصرفه كما يشاء، فإنه يعد سيفا ذو حدين، بالرغم من أهميته التي تتجسد في كونه أسلوبا جيدا يمكن الآباء من استخدامه في بناء علاقة الطفل مع المال بشكل حاسم وسوي، وكذا تعليم الطفل لأجل تنمية ذاته وشخصيته، .فضلا عن كونه يساهم في التعامل مع المالي منذ الطفولة، ويجنب سقوطه في سلوكيات البخل والإسراف..الخ.
فبدون مراقبة الأهل لذلك ينتج عن هذا نتائج سلبية وخيمة، خصوصاً أمام وجود عدد كثير من الآباء يجهلون قيمة مصروف الجيب هذا، وأهميته على المستوى النفسي والاجتماعي والشخصي، لتجد اهتماماتهم منصبة فقط على البعد الاقتصادي.
ثم إن كثيرا من الآباء تجدهم يمنحون أطفالهم مصروف الجيب فقط بدافع المسايرة الاجتماعية، أو لعدم شهور الطفل بالدونية بين أقرانه، أو ربما بدافع الاستعراضية والافتخار، مما يمكن الطفل من مبلغ مالي لا يتناسب ومستواه العمري.
بناء على ذلك، فالأصلح والأنسب لتجنب كل الآثار السلبية التي من المحتمل أن تنتج عن سوء التدبير، أن يتم إخضاع مصروف الجيب إلى ضوابط دقيقة لتوجيهه للاستخدام الجيد الذي يعطي أكله، وذلك عبر تحديد المبلغ المقدم بما يراعي سن الطفل بالدرجة الأساس وحاجياته وميزانية العائلة، فضلاً عن تحفيز الطفل لأجل صرف المال وإنفاقه في أشياء مفيدة ومهمة وذلك أمام ترك الاختيار له في هذا الأمر.
كما لا ينصح لمنح مصروف جيب ذو مبلغ "سمين" للطفل، حتى لا يتم إنشاء طفل "مدلل"، أو يؤدي به إلى المغامرة في سلوكيات الانحراف، مع الانتباه أيضاً إلى عدم استخدام هذا المصروف كمكافأة مقدمة للطفل كلما طلب منه القيام بشي معين.
ادخار الطفل للمال ليس سهلا..
الأطفال يعيشون اللحظة غير آبهين كثيرا للمستقبل كما يفعل الكبار، لذلك تظل مسألة تقبلهم للادخار ليس بالأمر السهل ولا بالمستحيل.
فأمام رغبة الآباء في تشجيع الأطفال وتحفيزهم على الادخار، والذي بطبيعة الحال هو أمر جيد ومثمر، فلا يجب أن يستغربوا عدم الاستجابة للاقتراحات التي يقدمونها لأطفالهم، نظرا لما يطبع مرحلتهم من تسلية ولعب.
وعلى اعتبار أن دوافع الأطفال في سلوك الادخار تختلف باختلاف أساليب التنشئة الاجتماعية وعمليات التطبيع الاجتماعي التي تهدف إلى تزويد الطفل بالقيم والعادات والتقاليد التي تعمل على بناء شخصيته، فإن ذلك يهيب بالآباء إلى الآخذ في حسبانهم أنهم محط أنظار ومراقبة من طرف أطفالهم، وهو ما يلزمهم الانتباه إلى قراراتهم التي يتخذونها في شراء الأشياء، وكذا تحديد ما يستحق وما لا يستحق شراؤها، بالإضافة إلى عدم شراء كل ما يعجبهم، وأن يزنوا الأمر مع ما تتحمله نفقاتهم، لكون ذلك يساعد كثيرا في توضيح الأمر للأطفال بشكل ملموس وواقعي.
وبالتالي فسلوكيات الآباء يقتبسها الأطفال، لذا وجب ألا يتم الإسراف في إنفاق المال على الأشياء، لتعليم الأطفال، أن هناك من الأشياء الكثيرة التي لا تحتاج إلى تبذير المال من أجلها.
من جانب آخر، يستوجب عل الآباء الاهتمام بإخبار الأطفال بما تحصله الأسرة من مال، وبما يمكن ادخاره، وأيضا بما تقدر الأسرة على تحمله، وما لا يمكنها أن تطيقه، وإن كان كثير من الآباء يخشون أن يقوم أطفالهم بأن ينقلوا أمرهم خارج فضاء الأسرة،لماذا؟ لأنه كلما تقدم الأطفال في السن وهم على إدراك بهذه الأمور، كانوا أكثر وعيا وإدراكا بنوعية الإنفاق، وكذا شكل الحياة التي سيعيشونها حسب الدخل الشهري.
كل هذه الأمور التي يتم تلقينها للطفل منذ الصغر من شأنها أن تساعد الأطفال على الادخار، وتولد لديهم الرغبة في ذلك.
ولكن بالرغم من هذا كله، يظل المال أشبه ما يكون بجُب عميق تكتسيه الخطورة، إذ لا يمكن للمرء العيش دون أن يرتوي من مائه، إلا والحذر الشديد يتملكه مخافة أن يقع في غياهب عمقه.
المصدر: كتاب سيكولوجيا المال لصاحبه أكرم زيدان
20 décembre 2023 - 20:00