بعدما أنهت البنوك الحاصلة على رخص إحداث بنوك إسلامية بتشارك مع المصارف الإسلامية التي تتوفر على تجربة في هذا المجال، أو فتح نوافذ لتسويق المنتوجات التشاركية، الإجراءات المتعلقة بإطلاق الخدمات التمويلية الجديدة بالسوق البنكي المغربي، غالبا ما يتبادر إلى الذهن قدرة هذه البنوك على رفع معدل الاستبناك بالمغرب الذي لا يتجاوز حاليا 71 في المائة، بحسب معطيات صادرة عن بنك المغرب.
هذا السؤال حاول مكتب الدراسات "Kantar TNS" الإجابة عليه من خلال إنجاز بحث حول البنوك التشاركية بالمغرب. ويتعلق الأمر ببحث تلفوني أنجز على عينة من 1003 أشخاص تزيد أعمارهم عن 18 سنة.
ومن بين الأجوبة التي حملها هذا البحث، يتجلى بأن "الاستبناك" بالمغرب، لا يمثل مشكلة متعلقة بالمعتقدات، لكنه بالمقابل يمثل ظاهرة اقتصادية واجتماعية، ذلك أنه يمكن أن نجد هناك أشخاصا لديهم مبادئ لا تتوافق بشكل تام مع التمويلات البنكية الكلاسيكية، لكنهم يعتقدون بأن المنتوجات البديلة قد يتم استيعابها من طرف النظام البنكي القائم".
وبصيغة أخرى يمكن القول "بأنه لا يمكن أن ننتظر أن تساهم البنوك التشاركية في ارتفاع قوي لمعدل الاستبناك بالمغرب"، بحسب نتائج البحث المنجز، والذي تم تقديم جزء من نتائجه في بحر الأسبوع الحالي خلال ندوة صحفية.
وقبل المرور لنتائج البحث المقدمة، اختار مسؤولو مكتب الدراسات التطرق أولا إلى معدل الاستبناك الحالي، الذي شكل بالنسبة إليهم محور العديد من الأسئلة حول الطريقة التي يتم بها حاليا حساب هذا المعدل، ذلك أن السلطات المالية بالمغرب، ومن أجل حساب هذا المعدل، تلجأ إلى عملية رياضية من خلال قسمة عدد الحسابات البنكية على إجمالي ساكنة المغرب، وفي المقابل كشف البحث بأن عددا من المغاربة يتوفرون على أكثر من حساب، وهو ما يجعل الطريقة التي يتم بها حساب معدل الاستبناك حاليا غير صحيحة، يقول مسؤولو مكتب الدراسات.
ومن أجل ذلك ذهب مكتب الدراسات إلى البحث عن عدد المغاربة الذين يتوفرون على حساب بنكي واحد أو أكثر، فتبين بأن المعدل لا يجب أن يتعدى 37 في المائة، ذلك أن 12.6 مليون مغربي يتوفرون على الأقل على حساب بنكي واحد، علما أن إجمالي الحسابات البنكية بمختلف البنوك المغربية يستقر، إلى متم يونيو الماضي، في حدود 24.2 مليون حساب بنكي.
واعتبر البحث المنجز، بأنه من إجمالي 63 في المائة من المغاربة الذين لا يتوفرون على حسابات بنكية، يوجد فقط 6 في المائة منهم من المحتمل أن يصبحوا زبناء جدد للبنوك التشاركية، فيما لم يقتنع 57 في المائة منهم بفكرة الانخراط في المالية التشاركية على الأقل في الوقت الحالي.
أما بالنسبة للزبناء الحاليين للبنوك الكلاسيكية، فإن 25 في المائة منهم يتمنون فتح حسابات بنكية لدى البنوك التشاركية، فيما 12 في المائة منهم غير مهتمين بذلك. ومن بين أولئك الذين يتمنون فتح حسابات بنكية جديدة لدى البنوك التشاركية، يتطلع 11 في المائة منهم إلى إغلاق حساباتهم القديمة بالبنوك الكلاسيكية، على أن 14 في المائة منهم يعتزمون الحفاظ على حساباتهم القديمة إلى جانب الجديدة.
وإذا كان هذا البحث يهدف في البداية حسب القائمين عليه، إلى معرفة مكانة المالية التشاركية في نفوس المغاربة ومعرفة تصورهم لهذه الصناعة المالية، غير أن النتائج الأولية التي أفرزها البحث أثبتت أن عددا مهما من المغاربة لا يفرقون بين المالية التشاركية والمالية الإسلامية. إذ أنه من بين مجموع المستجوبين يوجد 7 في المائة فقط سبق لهم أن قرؤوا، رأوا أو سمعوا عن المالية التشاركية، فيما 21 في المائة أجابوا بنعم عندما تم سؤالهم حول سابق علمهم بالمالية الإسلامية.
هذه النتائج المحصلة تؤكد على أنه ينبغي القيام بمجهود كبير فيما يخص التعريف والتوعية بهذه المفاهيم من أجل فهمها على النحو الأمثل.
لذلك ذهب البحث في مرحلة ثانية إلى تقديم شروحات حول المالية التشاركية، قبل تلقي إجابات الأشخاص المستجوبين، وهو الأمر الذي جعل هذه الإجابات منطقية أكثر، حيث أقر في هذه الحالة 34 في المائة من الأشخاص المستطلعين، بأنهم على استعداد للانخراط في المنتوجات المسوقة في إطار هذه الصناعة المالية الجديدة.
وبخصوص صورة المالية التشاركية لدى المغاربة، فقد اتضح أن ثلثي الأشخاص المستجوبين يقتربون منها بطريقة واقعية إلى حد ما. من بين أولئك الذين شملهم الاستطلاع، 28 في المائة يعتقدون أن المالية التشاركية شيء جيد ويتماشى مع قيمهم، لكن رغم ذلك فإنهم لا يريدون بأن يذهبوا إليها مغمضي الأعين دون معرفة كل الجوانب المتعلقة بها، فيما ينتظر 39 في المائة منهم أن يقتنعوا بها أولا قبل الانخراط فيها.
وإلى جانب ذلك اكتشف البحث وجود أشخاص متحمسين لهذا النوع من التمويل، إذ أن 25 في المائة من المستجوبين أقروا بأن التمويل التشاركي كان منتظرا العمل به منذ مدة بالمغرب لأنهاتتماشى مع قيم المغاربة. وفي المقابل 8 في المائة يعتقدون بأن المالية التشاركية لا تعدو أن تكون سوى خدعة تسويقية لجذب أكبر عدد من الزبائن من خلال استعمال الدين.
20 décembre 2023 - 20:00