لم يرق حديث الوزير عزبز رباح، وزير الطاقة والمعادن والتنمية المستدامة، حول شركة "سامير" للكثير من الذين ينشغلون لملف هذه الشركة التي مازال مصيرها مجهولا منذ الخامس من غشت 2015.
الوزير اعتبر في جواب تلاه عنه الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة، المكلف بالعلاقات مع البرلمان مصطفى الخلفي، يوم الثلاثاء الماضي، أن الانعكاست الاقتصادية لأزمة شركة "سامير" أصبحت "متجاوزة"، وتم ملء الفراغ الذي خلقه غياب الشركة في سوق الإنتاج وتوزيع المواد البترولية.
وأشار الوزير إلى أن تعدد المتدخلين والفاعلين الاقتصاديين في المجال سمح بتعزيز التنافسية وتجاوز حالة الاحتكار وتقليل مخاطر هيمنة فاعل اقتصادي وحيد على جل القطاع.
الوزير أكد على أن الحكومة حرصت على أداء أجور مستخدمي شركة "سامير" منذ اندلاع الأزمة، حيث قامت برفع اليد جزئيا على أموال الشركة قصد تمكينها من أداء أجور المستخدمين.
الشركة التي يتحدث عنها الوزير توجد قيد التصفية القضائية، والبحث جار عن مشتر، حيث تجلى أنه رغم كثرة العروض، الحقيقة والوهمية منها، لم تعد الشركة إلى التكرير، كما يتمنى ذلك العاملون فيها، والكثير من المغاربة، الذي يعلمون أهمية التكرير بالنسبة لبلد يستورد أكثر من 90 في المائة من حاجياته من المحروقات.
ما الذي يعنيه الوزير بكون الانعكاسات الاقتصادية "متجاوزة"؟ من جواب الوزير، يتضح أنه منشغل فقط بالقدرة التي أبدتها شركات التوزيع على سد الفراغ الذي تركته شركة "سامير".
ولم يشأ الوزير تناول الانعكاسات الأخرى السلبية على الاقتصاد الوطني، جراء إقفال شركة "سامير". لو اطلع على تقرير مكتب الصرف، لأدرك أن فاتورة مشتريات المغرب من المحروقات قفزت في التسعة أشهر الأولى من العام الجاري إلى 50,49 مليار درهم، مقابل 39,33 مليار درهم في الفترة نفسها من العام الماضي.
حدث هذا في وقت مازالت فيه الأسعار في السوق الدولية في مستويات معقولة. ألم يدرك الوزير أن إقفال "سامير" ساهم في المستوى الذي وصلت إليه تلك الفاتورة.
لقد ساهم إقفال "سامير" في ارتفاع مشتريات المغرب من الطاقة، فمنذ عامين، يعمد المغرب إلى شراء البترول المكرر بسعر مرتفع، علما أن "سامير" كانت تشتري البترول الخام، الذي تقوم بتكريره، ما يساهم في خفض فاتورة الواردات.
غير أن المهم بالنسبة للخبراء في مجال الطاقة، ليست مساهمة الشركة في خفض فاتورة الواردات من المحروقات، فهم ينشغلون أكثر بالدور الذي كانت تلعبه، نظريا على الأقل، في تكوين المخزون الاستراتيجي للمغرب، على اعتبار أنه تشتري حوالي شهر من الخام، بينما توفر شركات التوزيع حوالي شهرين من التخزين. أليس هذا هاجس يجب أن يستحضره الوزير الوصي على القطاع؟
لم يتطرق الوزير إلى تأثير إقفال شركة "سامير" على المستهلك، في ظل تحرير أسعار البنزين والغازوال. فهل الأسعار كانت ستكون في الذي بلغته اليوم لو لم تتوقف "سامير" عن التكرير؟ المهم أن الأسعار مافتئت ترتفع، فسعر البنزين قفز في الأيام الأخيرة إلى 11,15 درهم.
كيف يتحدث الوزير عن الانعكاسات المتجاوزة، بينما توجد في ذمة مالكي الشركة 15 مليار درهم من الديون لفائدة الدولة؟ ألم يفكر في تداعيات الإغلاق على النشاط الاقتصادي على مدينة مثل المحمدية والشركات التي كانت تدور في فلك المصفاة؟ ألم يستحضر كلفة القلق الذي يسكن العاملين في المصفاة منذ عامين؟
عندما شاع خبر إغلاق المصفاة قبل أكثر من عامين، بدت الحكومة وكأنها أخذت على حين غرة، ودخلت في حالة من التخبط، وعندما تدخل القضاء، لاذت بصمت مطبق. ألم يكن صمت الوزير مطلوبا، خاصة إذا كان سيتحدث عن الأرباح دون الخسائر؟
قد يفهم من كلام الوزير أن المغرب يمكنه أن يستغني عن التكرير، مادام الموزعون قادرون على تلبية حاجيات السوق، غير أنه سيكون قد حكم، في دقائق، بالموت على صرح اقتصادي، ناضل مشيّدوه في بداية الستينيات من القرن الماضي، على أن يحظى به المغرب من أجل عدم الارتهان لتقلبات أسعار النفط في السوق الدولية، أيام كان للتحرر الاقتصادي رجال يدافعون عنه ويبذلون الغالي والنفيس من أجله.
20 décembre 2023 - 20:00