قدم الملك، محمد السادس، تشخيصا قاسيا لوضعية الموظفين العموميين بالمغرب في خطاب العرش الأخير، ودعا إلى السعي لتجاوز هذا الوضع الذي لا يخدم المواطن المغربي، وفي هذا الحوار الذي يجريه موقع "مواطن" مع االوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإصلاح الإدارة وبالوظيفة العمومية،محمد بنعبد القادر، نتعرف على الخطة التي ستحاول عبرها الوزارة والحكومة إصلاح أعطاب الوظيفة العمومية من أجل خدمة المواطن.
السيد الوزير، بعد حديث الملك محمد السادس، عن الموظفين في خطاب العرش، هل من تصور لديكم لإصلاح الأعطاب التي شخصها في الوظيفة العمومية ؟
مضامين الخطاب الملكي حول إصلاح الإدارة العمومية وتشخيص الأعطاب في الوظيفة العمومية، كانت حافزا قويا بالنسبة لنا على مواصلة المقاربة التي انخرطنا فيها في الوزارة، والتي تقوم على رفع السقف عاليا، قياسا بماتم إنجازه من تصورات وبرامج في الحكومة السابقة.
وقد تبين لي أنه لا يمكن الاستمرار في إدخال بعض التعديلات والإجراءات على هذه المنظومة. فنحن نحتاج إلى إدارة جديدة وإصلاح تحويلي.
ونعني بالإصلاح التحويلي، زنه يتوجب علينا أن نقول بتحويل الإدارة كي نتوفر على إدارة، تستجيب للتحديات التي يواجهها المغرب، وتليق بمنسوب المواطنة الذي يميز المغاربة، الذين أضحوا أكثر وعيا بحقوقهم في تجويد الخدمة العمومية.
وهذه هي المرة الثانية التي يتحدث في جلالة الملك عن الإدارة، بعد خطاب الرابع عشر من أكتوبر بمناسبة افتتاح السنة التشريعية، وبالتالي، فإن هذا الخطاب يعزز قناعاتنا في الوزارة المنكبة أوراش طموحة.
وإذا كانت هناك بعض المقاومات التي تحاول خفض سقف الإصلاح، فإنه بعد الخطاب الملكي، أصبح الأفق مفتوحا من أجل الذهاب بعيدا في الإصلاح.
ما مضامين الإصلاح التحويلي الذي تتحدثون عنه؟
جميع الإصلاحات التي كانت تتخذ سابقا، كانت هيكلية وتنصب على أدوات العمل، مثل إدخال التكنولوجيا، وإحداث مؤسسات وآليات.
المقاربة الجديدة تجعل المواطن في صلب انشغالاتها، فلا فائدة من أى إجراء أو مرسوم أو قانون أو نص تدبير أو تنظيمي، لا ينعكس إيجابا على المواطن. فالمعيار الجديد هو المواطن.
وهناك أمران نشتغل عليها، وصدر بشأنهما مرسومان في الأسابيع الأولى لتعيين الحكومة.
يهم الأول تحسين فضاءات الاستقبال.ونحن نشتغل على خارطة وطنية لفضاءات الاستقبال، حيث اكتشفنا أنها لا تستجيب لمعايير موحدة، تحيل على الإدارة الشباك. فالفضاءات التي نتوفر عليها لا تسهل الولوج للمسنين والعجزة، وتوجد في بعض الأحيان في الطوابق العليا. هذا الوضع لا يمكن أن يستمر.
ونحن نعمل على ميثاق حسن الاستقبال الذي سيدخل في المسار التشريعي الحكومي والبرلماني، والذي يركز على فضاءات الاستقبال، وضرورة أن تكون لائقة بكرامة المواطن، وتتوفر على سبورة إلكترونية توضح الوثائق المطلوبة والإجراءات الواجبة، ويتوجب أن يكون في كل إدارة مكتب للإرشاد.
كما وضعنا لدى الأمانة العامة مشروع مرسوم لتبسيط المساطر، ويتضمن عددا من الإجراءات القانونية، التي يمكن أن تتثير مسألة الخطأ المهني، عندما يعقد الموظف المساطر الإدارية في علاقته مع المواطن. وضمن هذا المنظور، سيكون على الموظف تطبيق المساطير وتبسيطها، وإلا أوخذ بارتكاب خطأ مهني. وهنا يدخل مبدأ المسؤولية والمحاسبة.
وماذا عن هذا الموظفين، نحن نعلم أن هناك موظفين أكفاء، لكن لاتتاح لهم الفرصة من أجل التعبير عن أنفسهم.. كيف ستعالجون هذا الأمر؟
سنعالج هذا الأمر بإعادة النظر،بشكل شامل في منظومة الوظيفة العمومية، فنحن نسترشد، اليوم، بنظام أساسي سن في 1958. أدخل على ذلك النظام أربعة عشرة تعديلا، وبني على اختيارات اجتماعية من أجل خلق نوع من الاستقرار والأمن الوظيفي.
وإذا كان الأمن الوظيفي، قد أدى وظيفته في الستينات والسبيعينات والثمانينات، فإنه أضحى اليوم مصدرا للكسل واللامسؤولية.
ونحن مقبلون اليوم على إعادة النظر نموذج الوظيفة العمومية، لأن التطور الذي طرأ على نماذج الوظيفة العمومية في المجتمعات الأخرى، يتتيح لنا إمكانيات كبرى كي ندخل مرحلة انتقالية من الوظيفة المبنية على تدبير المسارات الوظيفية Gestion de carriéres، إلى الوظيفة العمومية المبنية على الكفاءة.
ألا يمكن أن تخلق هذه المقاربة مقاومات على اعتبار أنها ستؤول على أنها محاولة لخلق نوع من المرونة في سوق الوظيفة العمومية؟
المرونة أقل كلفة من الكسل واللامسؤولية السائدتان في الإدراة. هناك موظفون على يعرفون مهامهم. ينصبون في السلم الحادي عشر أو خارج السلم، ولا يؤدون أية مهمة.
المنظومة بنيت على هذا المنوال، وهي منظومة ورثناها من فرنسا، التي تخجل اليوم من منظومتها في الإدارة العمومية، مقارنة بما ببلدان أوروبية أخري.
في المنظومة الحالية، عندما يصل أحد الموظفين إلى رتبة، يصبح حريضا عليها ويريد الحفاظ عليها سواء أدى واجبه أم لا. هذا ناتج عن كون آليات التقويم ضعيفة وغير واضحة والمحاسبة غير مفعلة.
لن يصل الأمر إلى حد المرونة والتسريح، ولكن هناك صيغ توافقت عليها دول، دون أن تتخلى عن الطابع الاجتماعي لمنظومتها مثل ألمانيا.
لكن، ألا يمكن أن يواكب هذا إعادة النظر في الرواتب في اتجاه مكافأة الكفاءات والذين يخدمون المواطن؟
أنا لا أتصور منظومة في الوظيقة العمومية، كما وردت في البرنامج الحكومي، بدون إقرار عدالة أجرية، غير أن العدالة الأجرية لا تعني الزيادة في الرواتب بدون تطوير الكفاءة والمردودية.
العدالة الأجرية تعني ألا يكون لدينا موظفان يحصلان على نفس الراتب، بينما أحدهما يعمل أكثر من الآخر. نحن نريد العدالة الأجرية مقابل الإنتاجية والمردودية.
هل لديكم وسائل الإصلاح الذي تتحدثون عنه، حتى لا نعود بعد أربعة أعوام كي نتحدث عن مقاومات وعقليات حالت دون الإصلاح؟
أنا لدي إرادة سياسية قوية معبر عنه من قبل أعلى سلطة في البلاد، بالإضافة إلى إرادة الحكومة التي تجلت في البرتامج الحكومي، والإرادة التي تحذو الوزارة بفضل أطرها وكفاءاتها. ونتمنى أن ينخرط الشركاء الاجتماعيون ونواب الأمة في هذا المشروع.
ألا تعتقدون أن هذا يحتاج إلى حوار اجتماعي ممأسس؟
تحدثت مع النقابات عبر اللقاءات التي أجريتها في البداية مع القيادات المركزية. وتحدثت معهم عن مبدأ المراجعة، والتفاصيل التي أتحدث عنها لأول مرة معك، سأعلن عنها في الدخول الاجتماعي المقبل، في حوار سيكون مع كافة الفئات المهنية للموظفين.
وسأعمل على مأسسة الحوار الاجتماعي عبر آليتين: فهناك اللجنة بين الوزارية لإصلاح الإدارة التي سيرأسها رئيس الحكومة، وسأقترح مرسوما بشأن هذه اللجنة، كما سأدعو المجلس الأعل للوظيفة العمومية، للألتئام، حيث ستكون النقطة الأولى في جدول أعماله، إصلاح نظام الوظيفة العمومية تماشيا مع التوجيهات الواردة في خطاب جلالة الملك.
05 août 2022 - 10:00
07 novembre 2024 - 12:00