موسى متروف
بعد تعيين عبد المجيد تبون على رأس الحكومة الجزائرية وتشكيل الأخيرة، ما هي الرهانات في الجارة الشرقية للمملكة، داخليا وخارجيا؟ وهل سستبقى العلاقات مع المغرب في إطار "الثابت"؟
بعد الانتخابات التشريعية الجزائرية لرابع ماي الجاري، والتي كرّست "الأغلبية الرئاسية" لجبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، تم تعيين عبد المجيد تبون، 71 سنة، وزيرا أول خلفا لعبد المالك سلال، لتتشكل الحكومة، بما حملته من فاجئات من قبيل تعيين وزير الشؤون والإفريقية السابق عبد القادر مساهل وزيرا للشؤون الخارجية، ليعوّض رمطان لعمامرة...
"في الجزائر، لا الوزير الأول ولا أي وزير في يده القرار. حتى في الجزائر، الناس لا يعرفون من يحكم. والسؤال الكبير الذي ينبغي طرحه هو: من قرر عزل سلال بعد أن بدأ المشاورات ليتم تعيين تبون مكانه، في حين أن الرئيس مقعد ولا يتحدث ولا يقدر على التفكير؟"، يتساءل خالد الشگراوي، الأستاذ الباحث في معهد الدراسات الإفريقية، التابع لجامعة محمد الخامس بالرباط، في اتصال بـ"مواطن".
ويؤكد الشكراوي أن "بإمكانهم أن يضعوا في الجزائر أي شخص في منصب الوزير الأول وسيستمر نفس الوضع، لأن لا أحد يعرف من يحكم ومن يقرر في الجزائر"!
ويعود الباحث إلى ما قبل تعيين تبون، ليوضح أن "الانتخابات أُجريت واستطاعت جبهة التحرير الوطني أن تفوز بالرتبة الأولى. ثم بدأ سلال بمشاوراته مع الأحزاب ثم يُعزل بدون سابق إنذار، ثم يعيَّن شخص آخر" (تبون)، الذي يصفه بأنه كان وزيرا في الإسكان، بعد أن شغل منصب وال في الجنوب ثم قدم استقالته من الوظيفة العمومية، أيام الشاذلي بن جديد، وفي عهد عبد العزيز بوتفليقة عاد ليشغل مناصب وزارية... ليتوقع أن تنتهي مهام هذه الحكومة في 2019، "لأن هناك انتخابات رئاسية، فهو في نظري رجل لتصريف الأعمال لمدة السنتين المقبلتين، وهو رجل الساعة وهو رجل كبير السن وهناك تحضيرات لمن سيكون رئيسا في 2019 وتحضير من سيترأس الحكومة ومن سيكون فيها وهذه فقط مرحلة انتقالية ما بين الآن و2019 لا غير. وهو رجل المرحلة الانتقالية ولن يعارض ولن يقول لا لأنه مرتبط بالحلقة القريبة من بوتفليقة لذلك عين لا غير وليس هناك أي نوع من الذكاء السياسي أبدا في الأمر"، يقول الشكراوي.
من جهته، يؤكد رشيد بنلباه، الأستاذ الباحث في معهد الدراسات الإفريقية أيضا، على أن "هناك توازن مترتبط باستحقاق 2019" فعلا، و"وعي قوي بما بعد بوتفليقة في سياق "المحاهدين" والشرعية التاريخية وإعادة إنتاج نفس السياق السياسي ونفس الطبقة السياسية"، لكنه يسير أبعد في التحليل للأوضاع في الجزائر، حيث ينطلق، في اتصال بـ"مواطن"، من كون تعيين الحكومة كان في "إطار المسطرة القانونية"، وفي سياق انطلق من تعيين رئيس المجلس الشعبي الوطني سعيد بوحجة، بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، و"هذا عنصر من العناصر القديمة لجبهة التحرير الوطني، ما يعني أننا نبقى في نفس السياق وفي إطار توازنات القوى ولم يتم الخروج من القاعدة"، على حد تعبير الباحث.
ويضيف بنلباه أنه بعد ذلك تم تعيين الوزير الأول عبد المجيد تبون، لكن كان التعويل إما على إعادة تعيين سلال أو أحمد أويحيى على رأس الحكومة، لأنه كان هناك تصريح الأمين العام لجبهة التحرير الوطني جمال ولد عباس وهو من المقربين للرئيس بوتفليقة الذي كان أشار إلى إعادة تعيين سلال... لكن تم تعيين "وجه قديم جديد"، لاعتبار "حضوره، منذ الستينات داخل البنية السياسية، انطلاقا من الحزب (جبهة التحرير) وأنه كان لعدة مرات وزيرا وكان له ظهور واختفاء، لكن اسمه يرتبط هو الآخر ببوتفليقة بمعنى أن المحيط الرئاسي مازال يحتفظ بقوة وسيطرة على الحكومة، وهذا مهم لأننا نعلم أن هناك صراعات وقوة أحمد قايد صالح، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الذي أعيد تعيينه نائبا لوزير الدفاع الوطني. لنستنتج أنه لم يقع هناك تغيير أساسا".
وبالنسبة إلى الوزير الأول تبون، فيعتبر الباحث أنه "من داخل البلاط السياسي وهو وجه ليس عليه خلاف كبير، حيث تم تفادي أحمد أويحيى لاعتبارات سياسة وتم تفادي سلال الذي حاول تقوية وضعه وهذا لعب ضده، لأنه كان يحاول أن يخلق له قوة داخل الهرمية السياسية، وهو لعب على الوترين؛ الرئاسة ومجموعة قايد صالح"...
ويفيد الباحث أن الجزائر مازالت في منطق "المجاهد"، فتبون من المجاهدين وبوحجة من المجاهدين، ما يعني عدم الخروج عن هذه "الشرعية التاريخية"، لتتم إعادة إنتاج نفس اللعبة السياسية، وهو ما يؤزم الوضع السياسي، لأن الطبقة السياسية والمؤسسة العسكرية ليس لهما القدرة على إنتاج نمط جديد".
ويثير بنلباه الانتباه إلى منصب وزيرة الخارجية "المهم للغاية"، حيث "بقي الأمر على ما عليه وإن تمت تنحية لعمامرة. فقد قيل الكثير منذ 2016 حول لعمامرة وكونه أصبح يقترب من محيط قايد صالح وقيل إنه أصبحت له أطماع أن يصبح وزيرا أول"... إذن "تم إبعاده وتقوية عبد القادر مساهل الذي كان وزيرا للشؤون المغاربية والإفريقية، حيث جرى صراع داخل الدبلوماسية الجزائرية ليتم عزل لعمامرة ويخلفه مساهل على رأس وزارة الشؤون الخارجية.
ولكن ما أثر كل هذه "التحولات" على المغرب؟
إذا كان الشكراوي يعتبر أن "الجزائر تحتاج إلى عدو دائم، لأن حضورها مبني على وجود أعداء خارجيين. العداء والأخوة في نفس الوقت في ترابط شيزوفريني نوعا ما على مستوى السياسة، في ما يسمى العدو الضروري. وحتى فرنسا الكل مرتبط بها والرئيس يعالج بها ويذهب إلى المستشفى العسكري ولكن هناك عداء لفرنسا. والمغرب هو الأخ والصديق وحديث عن التعاون وفي نفس الوقت هناك عداء... أما سلال أو تبون أو مساهل أو أويحيى أو أي كان، فهذا أمر عاد. وبغض النظر عن موقف المغرب، فالمشكل معهم سيستمر لأنهم يحتاجون إلى عدو ضروري"، فإن بنلباه يعتبر أن "مساهل وجه معروف وموقفه من المغرب وقضية الصحراء من المستحيل أن يتغير. وسيعمل لصالح الرئاسة والمؤسسة العسكرية، بمعنى أن الدبلوماسية الجزائرية لن تتغير... العلاقة ستبقى في الثابت"، ويذكر بإشارة سابقة إلى "مساهمة" المغرب في خلق القلاقل في غردياية ولقبايل، كما زعم المسؤولون الجدد/ القدامى، ويقول إنه ليس هناك "انفراج ولا إشارات" في اتجاه المغرب مع الحكومة الجديدة.
وهذا ما يوافقه عليه، سفير مغربي سابق خبر دهاليز الدبلوماسية الجزائرية، حيث يؤكد على أنه "ليس هناك أي تغيير بالنسبة للمغرب، فمن الناحية الداخلية ذلك شأنهم ويبدو أن الرأي العام هناك لا يهتم بما يجري، وبالنسبة لنا مساهل، الذي يتتبع منذ مدة طويلة ملف الصحراء، سيكون أفظع من لعمامرة ولن يكون هناك تغيير ولو بذرة واحدة".
وينبّه بنلباه إلى أنه تم إلغاء وزارة الشؤون المغاربية والإفريقية، ويتساءل إن كان ذلك مرتبطا بالخيار الاستراتيجي للمغرب، أي عودة المغرب لعمقه الإفريقي وإعلانه الموت السريري للاتحاد المغاربي واتجاهه إلى غرب إفريقا و"لاسيداو"، فضلا عن العودة إلى الاتحاد الإفريقي، وبالتالي لم يعد لها دور، رغم التركيز الذي تم على هذه الثنائية في 2015...
ويثير الباحث الانتباه إلى "التنافس مع المغرب"، في نظرة أخرى إلى الحكومة الجديدة. ويذهب إلى أنه تم تعيين مصطفى قيطوني وزيرا للطاقة وهو الذي كان رئيسا مديرا عاما لـ"صونيل غاز" وهي "مؤسسة تحاول أن تخلق لها الدولة، بنفس بُعد "سوناتراك"، دورا استراتيجيا، كما نتعامل نحن مع المكتب الشريف للفوسفاط. و"صونيل غاز" هي مؤسسة الكهرباء والغاز ومرتبطة بالطاقات المتجددة. فقد "دخلوا بالجزائر في رهان تطوير الجانب الطاقي لمسايرة ما يعرفه المغرب في هذا المجال. ويحاولون بناء منظومة اقتصادية تجابه المنظومة المغربية وهو أمر مهم"، فضلا عن كون التركيبة التي جاءت، سواء من خلال وزير الصناعة والمناجم، محجوب بدة، أو الوجوه الجديدة، ذات البعد التقنوقراطي، وإن كانت متحزبة، والتي ستهتم بالفلاحة والمعادن والطاقات المتجددة... فهي كلها تسعى إلى تنويع الاقتصاد الجزائري وبلورة نموذج اقتصادي جديد، وهو ما يوازي وينافس ما يقع في المغرب...
20 avril 2024 - 20:00
17 avril 2024 - 10:40