موسى متروف
وصف بلاغ للديوان الملكي طابع الاتفاقيات الموقعة بين المغرب ونيجيريا، أول أمس الاثنين، بـ"التاريخي". التذكير بالاتفاقيات المتعلقة بأنبوب الغاز الأطلسي والتعاون في مجال الأسمدة جاء في سياق استقبال الملك محمد السادس، أمس الثلاثاء، لوزير الدولة في النقل بنيجيريا، الذي نقل إليه رسالة من الرئيس محمدو بوهاري، "تتعلق بتطوير العلاقات الثنائية وتعزيز الاندماج الإقليمي في غرب إفريقيا"، على حد تعبير البلاغ.
الاتفاقيات الموقعة والتي تعد "نموذجا للتعاون جنوب جنوب مبتكر وطموح وملموس"، كما ينص بلاغ الديوان الملكي، لها أبعاد سياسية واقتصادية وجيوستراتيجية، يفككها عبد الرحمان المكاوي، الأستاذ الجامعي والخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، خصوصا في ارتباطها بمصالح الجزائر ومصدري الغاز وعلى رأسهم الدب الروسي.
وإذا كان مكاوي، في اتصال مع "مواطن"، ينطلق من كون الموضوع "متداخل اقتصاديا ودينيا وسياسيا وجيوسرتراتيجيا"، فهو يعيد طرحه من خلال "ماضي" العلاقات بين المغرب ونيجيريا. ويذكّر أن العلاقات المغربية النيجيرية مرت بأزمات سياسية منذ عقود، وخاصة أن نيجيريا من أكبر دول غرب إفريقيا التي لها علاقات متميزة الآن مع المغرب، موضحا أن الرؤساء النيجيريين قبل بوهاري كانوا ينظرون إلى المغرب "بمثابة منافس قوي لهم سياسيا واقتصاديا وعسكريا وأمنيا في غرب إفريقيا".
ويضيف الخبير الاستراتيجي عاملا آخر أساء إلى العلاقات بين البلدين، ويتمثل في كون نيجيريا كانت تنظر إلى المغرب بشيء من التشكك، لعلاقاته مع بعض الطرق الصوفية في شمال نيجيريا، و"هذا كان يثير بعض الكنائس، وخاصة الكنيسة البروتيستانتية التي هي حسب المختصين سبب من الأسباب التي نتج عنها قيام وإنشاء بوكو حرام"، على حد قوله.
وخلص على هذا المستوى إلى أن العلاقات النيجيرية المغربية، خلال العقود السابقة، كانت "علاقات معقدة وعدائية"، بحيث اصطفت نيجيريا إلى جانب الجزائر وجنوب إفريقيا في عدة مناسبات ضد المغرب، إلا "أن البعد الاقتصادي ومجيء الرئيس بوهاري للمرة الثانية إلى الحكم وتدخلات بعض رؤساء بعض بلدان غرب إفريقيا، كرئيس الكوت دي فوار الحسن واتارا ورئيس السينغال ماكي سال، ساهمت في تلطيف الأجواء وخاصة على المستوى الاقتصادي". ويوضح أن نيجيريا "دولة غنية ولكن سكانها يصلون إلى 170 مليون نسمة، لذا تبحث عن أسواق وتبحث عن علاقات اقتصادية، بعد أن راهنت على الجزائر بعد عدة عقود". ويذكّر مكاوي أن الجزائر ونيجيريا كانتا تخططان لإقامة طريق سيار من لاغوس إلى الجزائر العاصمة، وإنشاء خط غاز بين البلدين، لتصدير الغاز النيجيري إلى أوربا، ولكنهما لم يفلحا في هذه المشاريع المزدوجة، بما جعل نيجيريا تلتفت إلى المغرب ولاعتبارات متعددة.
ومن بين هذه الاعتبارات، حسب المتحدث ذاته، أن المغرب قد يأتي مثلا باستثمارات خليجية مهمة لمشروع أنبوب الغاز الجبار الذي يكلف الدولتين ملايير الدولارات.
كما "يمكن للمغرب استثمار علاقاته الدينية غير الرسمية مع الطرق الصوفية في شمال نيجيريا، ما من شأنه أن يجعل من هذه الطرق القريبة من المملكة، وخاصة الطريقتان التيجانية والقادرية، بمثابة صمام أمان ضد الإرهاب في شمال نيجيريا، وخاصة أن هذه الطرق الصوفية حاضرة بقوة في عاصمة الشمال بورنو"، يضيف مكاوي.
وحول الضغوط التي تتعرض لها نيجيريا في تقاربها مع المغرب وعودة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها، "ما يمكن معه أن نتحدث عن نوع من التطبيع"، يورد الخبير الاستراتيجي الضغوطات الجزائرية على نيجيريا وعلى الرئيس بوهاري، "كما يمكن أن نتحدث عن ضغوط كبيرة من جنوب إفريقيا، ومن طرف الكنيسة البروتيستانتية كذلك، والتي ترى في عودة المغرب إلى إفريقيا نوعا من عودة الإسلام الوسطي المتسامح إلى القارة وبالتالي يؤثر على مصالحها في المنطقة. وبالتالي هذا التطبيع مازال يواجه بعض العثرات والضغوطات، على الجانب النيجيري خاصة". إذن "الأمر متداخل اقتصاديا ودينيا وسياسيا وجيوسرتراتيجيا"، كما يحب أن يكرر هذا الأستاذ الجامعي في العلاقات الدولية.
وحول ما إن كان التقارب النيجيري المغربي يؤثر على مصالح روسيا، خصوصا في ما يتعلق بإيصال الغاز النيجيري إلى أوربا، يرى مكاوي أن الدول الكبيرة المصدرة للغاز، سواء روسيا أو في الشرق الأوسط وقطر تحديدا، أو والجزائر، تعتبر أن وصول أنبوب الغاز هذا إلى أوربا سوف يزاحمها ويحدث خسارة في أسواقها وارتباكا في أسواق الغاز بصفة عامة، حيث يمكن أن ينخفض ثمن الغاز إذا وصل الغاز النيجري إلى القارة العجوز.
ويورد مكاوي أن هناك دراسات لبعض المراكز المتخصصة في الغاز حول هذا مشروع الأنبوب بين نيجيريا والمغرب، ومنه إلى أوربا، "كانت نتائجها مخيفة للدب الروسي وللمصدّرين القطري والجزائري حول هذا المشروع".
وتحدث الخبير عن "بعض الدول الأوربية التي تحركت لثني نيجيريا على إقامة هذا المشروع"، لطابعه الدولي وتكلفته الباهظة وأيضا لجلب أموال ضخمة من الصناديق السيادية في الشرق الأوسط، وفيه دول مصدرة للغاز تخشى على مصالحها، وبالتالي مازال الملف "معقدا رغم الإرادة المغربية القوية في إقامته".
وحول إمكانية خسارة المغرب لروسيا، سواء اقتصاديا أو من حيث مواقفها من قضية الصحراء مثلا، في حال السير قدما بهذا المشروع الضخم بين المغرب ونيجيريا، يعتبر مكاوي أن "روسيا هي التي سوف تخسر المغرب"، لأنها كانت تعتمد عليه من حيث الصادرات الفلاحية ومن حيث الفوسفاط وبالتالي "المغرب قد لا يخسر السوق الروسية ولا الموقف الروسية، التي كانت دائما ميّالة إلى الجزائر وإلى الأطروحة الانفصالية وروسيا لم تكن محايدة "حيادا كبيرا" ولكن كانت تلعب على الواجهتين، لكن ينبغي أن نعلم أن الجزائر استوردت أكثر من 13 مليار دولار من الأسلحة الروسية. والجزائر تلعب دورا مهما مساندا للمواقف الروسية في عدة مناسبات، وخاصة في الأزمة السورية. فالعلاقات الدولية هي علاقات مصالح ومنافع أكثر منها علاقات مبادئ، وقد تتغير المواقف بتغير الأحداث"، يقول الخبير العسكري والاستراتيجي.
17 avril 2024 - 10:40